للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال ابن إسحاق (١): واستُشهد من المسلمين يوم بني قريظة خلَّاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو الخزرجيُّ، طرحت عليه رحًا فشدخته شدخًا شديدًا، فزعموا أنَّ رسول الله قال: "إنَّ له لأجر شهيدين".

قلت: كان الذي ألقى عليه الرَّحا، تلك المرأة التي لم يُقتل من بني قُريظة امرأة غيرها، كما تقدَّم، والله أعلم.

قال ابن إسحاق (٢): ومات أبو سنان بن محصن بن حُرثان من بنى أسد بن خزيمة، ورسول الله محاصر بني قريظة، فدفن في مقبرتهم اليوم.

* * *

وفاة سعد بن معاذ (٣)

قد تقدَّم أن حبَّان بن العَرِقة، لعنه الله، رماه بسهم فأصاب أكحله، فحسمه رسول الله كيًا بالنار، فاستمسك الجرح، وكان سعد قد دعا الله أن لا يميته حتى يقرَّ عينه من بني قريظة، وذلك حين نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله من العهود والمواثيق والذِّمام، ومالوا عليه مع الأحزاب، فلمَّا ذهب الأحزاب وانقشعوا عن المدينة، وباءت (٤) بنو قريظة بسواد الوجه والصَّفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة، وسار إليهم رسول الله ليحاصرهم كما تقدَّم، فلمَّا ضيَّق عليهم وأخذهم من كل جانب، أنابوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله فيحكم فيهم بما أراه الله، فردَّ الحكم فيهم إلى رئيس الأوس، وكانوا حلفاءهم في [الجاهليَّة]، وهو سعد بن معاذ، فرضوا بذلك، ويقال: بل نزلوا ابتداء (٥) على حكم سعد؟ لما يرجون من حنوِّه عليهم وإحسانه وميله إليهم، ولم يعلموا بأنَّهم أبغض إليه من أعدادهم من القردة والخنازير؛ لشدَّة إيمانه وصدِّيقيَّته، وأرضاه، فبعث إليه رسول الله ، وكان في خيمة في المسجد النبويِّ، فجيء به على حمار تحته إكافٌ قد وطِّئ تحته لمرضه، ولمَّا قارب خيمة الرسول أمر من هناك بالقيام له، قيل: لينزَّل من شدَّة مرضه. وقيل: توقيرًا له بحضرة المحكوم عليهم؛ ليكون أبلغ في نفوذ حكمه، والله أعلم، فلمَّا حكم فيهم بالقتل والسَّبي، وأقرَّ الله عينه وشفى صدره منهم، وعاد إلى خيمته من المسجد النبويِّ صحبة رسول الله ، دعا الله ﷿، أن


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٥٤).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٥٤).
(٣) ترجمته ومصادرها في "سير أعلام النبلاء" (١/ ٢٧٩)، و "الإعلام بوفيات الأعلام" ص (٢٢)، و "شذرات الذهب" (١/ ١٢٢) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.
(٤) في (آ): "وفازت" وأثبت لفظ (ط).
(٥) في (آ): "ابتداءة " وأثبت لفظ (ط).