للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم دخل الحجاج الكوفة فخطب الناس فقال في خطبته. إن شبيبًا لم يهزم قبلها، ثم قصد شبيب الكوفة فخرجت إليه سرية من جيش الحجاج فالتقوا يوم الأربعاء فلا زالوا يتقاتلون إلى يوم [الجمعة وكان على سرية الحجاج الحارث بن معاوية الثقفي في ألف فارس معه، فحمل شبيب على الحارث بن معاوية فكسره ومن معه، وقتل منهم طائفة، ودخل الناس الكوفة هاربين، وحصن الناس السكك فخرج إليه أبو الورد مولى الحجاج في طائفة من الجيش فقاتل حتى قتل، ثم هرب أصحابه ودخلوا الكوفة، ثم خرج إليه أمير آخر فانكسر أيضًا، ثم سار شبيب بأصحابه نحو السواد فمروا بعامل الحجاج على تلك البلاد فقتلوه، ثم خطب أصحابه وقال: اشتغلتم بالدنيا عن الآخرة، ثم رمى بالمال في الفرات، ثم سار بهم حتى افتتح بلادًا كثيرة ولا يبرز له أحد إلا قتله، ثم خرج إليه بعض الأمراء الذين على بعض المدن فقال له: يا شبيب ابرز إليّ وأبرز إليك، - وكان صديقه - فقال له شبيب: إني لا أحب قتلك، فقال له: لكني أحب قتلك، فلا تغرنك نفسك وما تقدم من الوقائع، ثم حمل عليه فضربه شبيب على رأسه فهمس رأسه حتى اختلط دماغه بلحمه وعظمه، ثم كفنه ودفنه، ثم إن الحجاج أنفق أموالًا كثيرة على الجيوش والعساكر في طلب شبيب فلم يطيقوه ولم يقدروا عليه، وإنما سلط الله عليه موتًا قدرًا من غير صنعهم ولا صنعه في هذه السنة] (١).

[مقتل شبيب في هذه السنة عند ابن الكلبي]

وكان سبب ذلك أن الحجاج كتب إلى نائبه على البصرة - وهو الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل وهو زوج ابنة الحجاج - يأمره أن يجهز جيشًا أربعة آلاف يتطلبون شبيبًا، ويكونون تبعًا لسفيان بن الأبرد [ففعل وانطلقوا في طلبه فالتقوا معه. وكان ابن الأبرد معه خلق من أهل الشام، فلما وصل جيش البصرة إلى ابن الأبرد التقوا معه جيشًا واحدًا هم وأهل الشام، ثم ساروا إلى شبيب] (٢) فالتقوا به فاقتتلوا قتالًا شديدًا وصبر كل من الفريقين لصاحبه، ثم عزم أصحاب الحجاج فحملوا على الخوارج [حملة منكرة والخوارج قليلون] ففروا بين أيديهم ذاهبين حتى اضطروهم إلى جسر هناك؛ فوقف عنده شبيب في مئة من أصحابه، وعجز سفيان بن الأبرد عن مقاومته، ورده شبيب عن موقفه هذا بعد أن تقاتلوا نهارًا طويلًا كاملًا عند أول الجسر أشد قتال يكون، ثم أمر ابن الأبرد أصحابه فرشقوهم بالنبال رشقًا واحدًا، ففرت الخوارج ثم كرت على الرماة فقتلوا نحوًا من ثلاثين رجلًا [من أصحاب ابن الأبرد]، وجاء الليل بظلامه فكف الناس بعضهم عن بعض، وبات كل من الفريقين مصرًا على مناهضة الآخر، فلما طلع الفجر عبر شبيب وأصحابه على الجسر، فبينما شبيب على متن الجسر راكبًا على حصان له وبين يديه فرس أنثى إذ نزا حصانه عليها وهو على الجسر فنزل حافر فرس شبيب على حرف السفينة فسقط في الماء،


(١) ما بين معكوفين زيادة من ظ، وهي اختصار لما في الطبري، ومكانها في أ: سارت الخوارج هاربين.
(٢) ما بين معكوفين زيادة من ط.