للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

ثبت في "الصحيحين" (١) أن رسول اللّه لما افتتح خيبر، عامل يهودها على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع.

وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث: على أن يعملوها من أموالهم. وفي بعضها (٢): وقال لهم النبيُّ : "نقرُّكم [فيها] ما شئنا".

وفي "السِّير" أنه كان يبعث عليهم عبد اللّه بن رواحة، يَخْرُصُهَا عليهم عند استواء ثمارها، ثم يضمِّنهم إياه، فلما قتل عبد اللّه بن رواحة بمؤتة، بعث جبَّار بن صخر، كما تقدَّم. وموضع تحرير ألفاظه وبيان طرقه كتاب المزارعة من كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء اللّه وبه الثقة.

وقال محمد بن إسحاق (٣): سألت ابن شهاب: كيف كان إعطاء رسول اللّه يهود خيبر نخلهم؟ فأخبرني أن رسول اللّه افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء اللّه عليه، خمَّسها وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال، فدعاهم رسول اللّه فقال: "إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال؛ على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا [وبينكم] فأقرُّكم ما أقرَّكم اللّه". فقبلوا، وكانوا على ذلك يعملونها، وكان رسول اللّه يبعث عبد اللّه بن رواحة فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الخرص، فلما توفَّى اللّه نبيَّه ، أقرَّها أبو بكر بأيديهم، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله حتى توفِّي، ثم أقرَّهم عمر بن الخطاب صدرًا من إمارته، ثم بلغ عمر أن رسول اللّه قال في وجعه الذي قبضه اللّه فيه: "لا يجتمعنَّ بجزيرة العرب دينان" (٤). ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثَّبَت، فأرسل إلى يهود فقال: إن اللّه قد أذن لي [في] إجلائكم، وقد بلغني أن رسول اللّه قال: "لا يجتمعنَّ في جزيرة العرب دينان". فمن كان عنده عهد من رسول الله فليأتني به أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد فليتجهَّز للجلاء. فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول اللّه .


(١) رواه البخاري رقم (٢٢٨٥) و (٢٣٢٨) و (٢٣٣١) ومسلم رقم (١٥٥١) (١) و (٢) و (٣).
(٢) كما عند البخاري رقم (٢٣٣٨) و (٣١٥٢) ومسلم رقم (١٥٥١) (٤) و (٦).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٥٦).
(٤) هو عند أحمد في "المسند" (٦/ ٢٧٤) من حديث عائشة قالت: كان آخر ما عهد رسول اللّه أن قال: "لا يُترك بجزيرة العرب دينان" وإسناده حسن وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب عند مسلم برقم (١٧٦٧) أنه سمع رسول الله يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إِلَّا مسلمًا".
وهو في الصحيحين أيضًا من حديث ابن عباس "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" رواه البخاري رقم (٣٠٥٣) ومسلم رقم (١٦٣٧).