للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر مولد إسماعيل من هاجر]

قال أهلُ الكتاب: إنَّ إبراهيمَ سألَ اللّه ذريَّةً طيِّبةً، وإنَّ اللّهَ بشرَّه بذلك، وإنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشر سنين، قالتْ سارَة لإبراهيم : إنَّ الربَّ قد أحرمني الولدَ، فادخلْ على أَمَتِي هذه لعلَّ اللّه يرزقنا منها ولدًا، فلمَّا وهَبَتْهَا له دخلَ بها إبراهيم ، فحين دخلَ بها حملتْ منه. قالوا: فلما حمَلَتْ ارتفعتْ نفسُها، وتعاظمتْ على سيِّدتها، فغارتْ منها سارَةُ، فشكتْ ذلك إلى إبراهيم، فقال لها: افعلي بها ما شئتِ، فخافتْ هاجرُ فهربتْ فنزلتْ عند عَيْنٍ هناكَ، فقال لها ملَكٌ من الملائكة: لا تخافي فإنَّ اللّه جاعلٌ من هذا الغلام الذي حمَلْتِ خيرًا، وأمرَها بالرجوع، وبشَّرها أنها ستلدُ ابنًا وتُسمِّيه إسماعيل، ويكونُ وحشَ النَّاس، يدهُ على الكُلِّ، ويدُ الكُلِّ به، ويملكُ جميعَ بلاد إخوته. فشكرتِ اللّه ﷿ على ذلك.

وهذه البشارةُ إنما انطبقتْ على ولدِه محمَّد صلواتُ اللّه وسلامه عليه، فإنه الذي سادتْ به العربُ، وملكت جميعَ البلاد غربًا وشرقًا، وآتاها اللّه من العلم النافع والعمل الصالح ما لم تُؤْتَ أُمَّة من الأمم قبلَهم، وما ذاكَ إلا بشرفِ رسولها على سائر الرسل، وبركة رسالتِه، ويُمْن بشارتِه، وكماله فيما جاء به، وعموم بعثته لجميع أهل الأرض.

ولما رجعتْ هاجَرُ وضعتْ إسماعيلَ . قالوا: وولدثْه ولإبراهيمَ من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة.

ولما ولد إسماعيل أوحى اللّه إلى إبراهيم يُبَشِّرُه بإسحاق من سارَة، فخرَّ للّه ساجدًا، وقال له: قد استجبتُ لك في إسماعيل، وباركتُ عليه وكثَّرتُه ونمَّيتُه جدًّا كثيرًا، ويُولد له اثنا عشر عظيمًا، وأجعله رئيسًا لشعب عظيم.

وهذه أيضًا بشارةٌ بهذه الأُمَّة العظيمة، وهؤلاء الاثنا عشر عظيمًا هم الخلفاء الراشدون، الاثنا عشرَ المُبشَّر بهم في حديث عبد الملك بن عُمير، عن جابر بن سَمُرة، عن النَّبِيِّ قال: "يكونُ اثنا عشرَ أميرًا" ثم قالَ كلمةً لم أفهمْها، فسألتُ أبي: ما قال؟ قال: "كلهم من قريشٍ" أخرجاه في الصحيحين (١).

وفي رواية: "لا يزالُ هذا الأمرُ قائمًا - وفي رواية: عزيزًا - حتى يكونَ اثنا عشر خليفة، كلُّهم من قريش" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٧٢٢٢ و ٧٢٢٣) في الأحكام، ومسلم (١٨٢١) في الإمارة عن جابر بن سَمُرة.
(٢) أخرجه مسلم (١٨٢١) (٦) في الإمارة.