للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى طَرَدَت الحنفيّةُ ذلك في القارن، وهو من أفراد مذهبهم، أنه يطوفُ طوافَيْن، ويسعى سَعْيَيْن، ونقلوا ذلك عن عليّ موقوفًا. ورُوي عنه مرفوعًا إلى النبيّ وقد قدَّمنا الكلامَ على ذلك كلِّه عند الطَّواف، وبَيَّنا أن أسانيدَ ذلك ضعيفةٌ مخالفةٌ للأحاديثِ الصَّحيحة. واللَّه أعلم.

[فصل]

ثم رجعَ إلى منًى بَعْدَما صَلَّى الظُّهْرَ بمكة، كمَا دَلَّ عليه حديثُ جابر. قال ابن عمر: رَجَعَ فصلَّى الظهرَ بمنى. رواهما مسلم، كما تقدم قريبًا، ويمكنُ الجمعُ بينَهما بوقوع ذلك بمكة وبمنَى. واللَّه أعلم. وتوقَّفَ ابنُ حَزْمٍ في هذا المقام، فلم يَجْزِمْ فيه بشيء وهو مَعْذورٌ لتَعارض النَّقْلَيْن الصَّحيحين فيه. فاللَّه أعلم.

وقال محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أفاضَ رسولُ اللَّه من آخر يومِهِ حينَ صَلَّى الظهرَ، ثم رجعَ إلى منًى، فمكثَ بها لياليَ أيامِ التَّشْريق يَرْمي الجَمَراتِ إذا زالَتِ الشَّمْسُ، كلُّ جَمْرَة بسبع حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مع كُلِّ حصاةٍ. ورواه أبو داود (١) مُنْفردًا به. وهذا يدلّ على أنّ ذهابه ، إلى مكة يومَ النحر كان بعد الزوالِ. وهذا ينافي حديثَ ابنِ عمر قَطْعًا، وفي منافاتِه لحديثِ جابرٍ نظرٌ. واللَّه أعلم.

[فصل]

وقد خطب رسولُ اللَّه في هذا اليوم الشريف خطبةً عظيمةً تواتَرَتْ بها الأحاديث، ونحن نَذْكُرُ منها ما يَسَّرهُ اللَّهُ ﷿.

قال البخاري (٢) باب الخطبة أيامَ مِنًى: حَدَّثنا علي بن عبد اللَّه، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا فُضَيْل بن غَزْوان، ثنا عِكْرمة، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ اللَّه خطبَ الناسَ يومَ النَّحْرِ، فقال: "يا أيها النّاسُ، أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يومٌ حرامٌ. قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلدٌ حرامٌ. قال: فأيُّ شهرٍ هذا؟ قالوا: شهرٌ حرامٌ. قال: فإنَّ دماءَكُم وأمْوَالكم وأعْراضكم عَلَيْكُمْ حَرام كَحُرْمةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا. قال: فأعادَها مِرارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه فقال: اللَّهُمَّ هل بَلَّغْتُ، اللهم هل (٣) بلغت" قال ابن عباس: فوالذي نَفْسي بيده، إنها لوصيّتُه إلى أمَّته - فليُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ، لا تَرْجعوا بعدي كُفّارًا يَضْربُ


(١) أبو داود (٢/ ٢٠١) (١٩٧٣)، وهو حديث حسن.
(٢) البخاري (١٧٣٩).
(٣) ط: (قد).