للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: كان تزويجه بها بمكة، وهي أُم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع، فأولدَها ولده حَمْد (١) بن الحسين بن منصور، وقد ذكر سيرة أبيه كما ساقها من طريقه الخطيب (٢).

وقد ذكر أبو القاسم القُشَيْري في كتاب "الرسالة" في باب حِفْظ قلوب المشايخ: أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئًا في أوراق، فقال له: ما هذا؟ فقال: هو ذا أعارض القُرْآن. قال: فدعا عليه فلم يفلح بعدها (٣). وأنكر على أبي يعقوب الأقطع تزويجه إياه ابنته. وكتبَ (٤) إلى الآفاق كتبًا كثيرة يلعنه فيها ويحذر النَّاس منه، فَشَرَدَ الحلَّاج في البلاد، فعاث يمينًا وعاث شمالًا، وجعل يُظهر للناس أنه يدعو إلى الله ﷿، ويستعين بأنواع من الحيل والمحال، ولم يزل ذلك دأبُه وشأنه حتى أحلَّ الله به بأسه الذي لا يُرَدُّ عن القوم المجرمين، فقتله بسيف الشَّرْع الذي لا يقع إلا بين كتفي زنديق، واللّه أكرم (٥) من أن يسلِّطه على صدِّيق، كيف وقد تهجَّم (٦) على القرآن العظيم، وأراد معارضته في البلد الحرام الكريم (٧)، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥]، ولا إلحاد أعظم من هذا. وقد أشبه في حاله هذا كفار قريش ومعانديهم الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١].

ذكر أشياء من حيل الحلَّاج

روى الخطيب البغدادي أن الحلاج أنفذ رجلًا بين يديه إلى بعض بلاد الجبل، فأقام بتلك البلدة يُظهر لهم الصَّلاح والنُّسُك، ويقرئ القرآن، فأقام مدة على ذلك، ثم أظهر لهم أنه قد عَمِيَ، فمكث حينًا على ذلك، ثم أظهر أنه قد زَمِنَ، فكان أولًا يقاد إلى المسجد، ثم صار يُحمل، فمكث سنة كذلك، ثم قال لهم: إني رأيت رسولَ الله مع في المنام، وهو يقول لي: سيرد إلى هذه البلدة رجل صالح يكون شفاؤك على يديه. فما كان عن قريب حتى حان الوقت الذي واعده فيه الحلاج، ودخل الحلَّاج البلدة مختفيًا وعليه ثياب صوف بيض، فلزم ساريةً من المسجد يتعبد فيها لا يلتفت إلى أحد، فابتدر النَّاس إلى


(١) في (ط) وبعض المصادر: أحمد، وهو تحريف.
(٢) تاريخ بغداد (٨/ ١١٢ - ١١٤).
(٣) الرسالة القشيرية (١٥١).
(٤) في (ط): وكتب عمرو بن عثمان.
(٥) في (ط) أعدل.
(٦) في (ب) و (ح) و (ظا) تجهرم، وهو تحريف، والمثبت من (ط).
(٧) في (ط): حيث نزل به جبريل.

<<  <  ج: ص:  >  >>