للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّريَّة التي قتل فيها محلّمُ بن جثَّامة عامرَ بن الأَضْبَط

قال ابن إسحاق (١): حدَّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله إلى إضم في نفر من المسلمين، منهم؛ أبو قتادة الحارث بن ربعيٍّ، ومحلِّم بن جثَّامة بن قيس، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم، مرَّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيُّ على قعود له، معه مُتيِّع له، ووطب من لبن، فسلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلِّم بن جثَّامة فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتيِّعه، فلمَّا قدمنا على رسول الله أخبرناه الخبر، فنزل فينا القرآن: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ٩٤].

وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يعقوب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه فذكرة (٢).

قال ابن إسحاق (٣): حدَّثني محمد بن جعفر، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضَّمريَّ يحدِّث عُرْوَة بن الزّبير، عن أبيه وجدِّه - قال: وكانا شهدا حنينًا - قال: فصلَّى رسول الله صلاة الظهر، فقام إلى ظلِّ شجرة، فقعد فيه، فقام إلى عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعيِّ، وهو سيد قيس، وجاء الأقرع بن حابس يردُّ عن محلِّم بن جثَّامة وهو سيد خندفَ، فقال رسول الله لقوم عامر: "هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرًا وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟ " فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن مثل ما أذاق نسائي. فقام رجل من بني ليث يقال له: ابن مُكَيتل. وهو قصد من الرجال، فقال: يا رسول الله، ما أجد لهذا القتيل مثلًا في غرَّة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أُولاها فنفرت أُخراها، اسنن اليوم وغيِّر غدًا. فقال رسول الله : "هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرًا الآن وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟ " فلم يزل بهم حتى رضوا بالدِّية، فقال قوم محلِّم بن جثَّامة: ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله . قال: فجاء رجل طُوال ضرب اللحم، في حلَّة قد تهيَّأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبيِّ ، فقال النبيُّ : "اللهم لا تغفر لمحلِّم" [قالها ثلاثًا] فقام وإنه ليتلقَّى دموعه بطرف ثوبه. قال محمد بن إسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٦٢٦).
(٢) انظر "المسند" (٦/ ١١)، إسناده محتمل للتحسين.
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٦٢٧).