للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ببنائه الخير. قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. ثم قال الله تعالى لرسوله: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾. فنهاه عن القيام فيه لئلا يقرِّر أمره، ثم أمره وحثَّه على القيام في المسجد الذي أسِّس على التقوى من أول يومٍ، وهو مسجد قباءٍ، لما دل عليه السياق، والأحاديث الواردة في الثناء على تطهير أهله مشيرةٌ إليه، وما ثبت في "صحيح مسلم" (١) من أنه مسجد رسول الله لا ينافي ما تقدَّم؛ لأنه إذا كان مسجد قباءٍ أسِّس على التقوى من أول يومٍ، فمسجد الرسول أولى بذلك وأحرى، وأثبت في الفضل منه وأقوى، وقد أشبعنا القول في ذلك في "التفسير" ولله الحمد.

والمقصود أن رسول الله لما نزل بذي أَوانٍ، دعا مالك بن الدُّخشم ومعن بن عديٍّ -أو أخاه عاصم بن عديٍّ- ، فأمرهما أن يذهبا إلى هذا المسجد الظالم أهله فيحرِّقاه بالنار، فذهبا فحرَّقاه بالنار، وتفرَّق عنه أهله.

قال ابن إسحاق (٢): وكان الذين بنَوه اثني عشر رجلًا وهم؛ خِذام بن خالدٍ وفي جنب داره كان بناء هذا المسجد، وثعلبة بن حاطبٍ، ومعتِّب بن قشيرٍ، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبَّاد بن حنيفٍ أخو سهل بن حنيفٍ، وجارية بن عامرٍ، وابناه مجمِّعٌ وزيدٌ، ونبتل بن الحارث، وبَحزجٌ وهو إلى بني ضبيعة، وبِجاد بن عثمان، وهو من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابتٍ وهو إلى بني أميَّة.

قلت: وفي غزوة تبوك هذه صلَّى رسول الله خلف عبد الرحمن بن عوفٍ صلاة الفجر، أدرك معه الركعة الثانية منها، وذلك أن رسول الله ذهب يتوضَّأ ومعه المغيرة بن شعبة، فأبطأ على الناس، فأقيمت الصلاة، فتقدَّم عبد الرحمن بن عوفٍ، فلما سلَّم الناس أعظموا ما وقع، فقال لهم رسول الله : "أحسنتم وأصبتم" وذلك فيما رواه البخاريُّ (٣)، ، قائلًا: حدَّثنا.

[[قدومه المدينة]]

وقال البخاريُّ (٤): حدَّثنا أحمد بن محمدٍ، حدَّثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا حميدٌ الطويل، عن أنس بن مالكٍ، ، أن رسول الله رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة فقال: "إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم". فقالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر". تفرد به من هذا الوجه.


(١) رقم (١٣٩٨) في الحج: باب لا تشد الرحَّال إلا إلى ثلاثة مساجد من حديث أبي سعيد الخدري .
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٥٣٠).
(٣) روى البخاري منه قصة الوضوء فقط رقم (٤٤٢١) وروى مسلم تامًا رقم (٢٧٤).
(٤) رواه البخاري رقم (٤٤٢٣).