للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لناصر الدولة بن حمدان، فاضطربت الأجناد، وعقدت الرياسة لنفسه، ودخل بغداد في مستهل صفر، وخرج إليه الأجناد كلُّهم، وحلفوا له، وحلف له الخليفة والقضاة والأعيان، ودخل على الخليفة فخاطبه بأمير الأمراء. وزاد في أرزاق الأجناد، وبعث إلى ناصر الدولة يطالبه بالخَرَاج، فبعث إليه بخمسمئة ألف دِرْهم، وبطعام ففرَّقه في الناس، وأمَرَ ونهى، وولَّى وعزل، وقطع ووصل، وفرح بنفسه ثلاثة أشهر وعشرين يومًا. ثم جاءت الأخبار بأن معزَّ الدولة بن بُوَيه قد أقبل في الجيوش قاصدًا بغداد، فاختفى ابن شيرزاد والخليفة أيضًا، وخرج أكثر الأتراك قاصدين إلى الموصل ليكونوا مع ناصر الدولة بن حمدان.

ذكر أول دولة بني بُوَيْه وحكمهم بمغداد

أقبل معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه في جحافل [عظيمة من الجيوش قاصدًا بغداد] (١)، فلما اقترب من بغداد بعث إليه الخليفة المستكفي باللّه الهدايا والإنزالات، وقال للرسول: أخبره أنِّي مسرورٌ به، وأني إنما اختفيت من شرِّ الأتراك الذين انصرفوا إلى الموصل. وبعث إليه بالخِلَع والتحف.

ودخل معز الدولة بن بويه بغداد في حادي عشر جمادى الأولى من هذه السنة، فنزل بباب الشمَّاسية، ودخل من الغد إلى الخليفة فبايعه، وخلع عليه المستكفي ولقبه بمعز الدولة، ولقب أخاه أبا الحسن عليًّا بعماد الدولة، وأخاه أبا علي الحسن بركن الدولة، وكتب ألقابهم على الدراهم والدنانير. ونزل معز الدولة بدار مُؤْنس الخادم، ونزل أصحابه من الدَّيْلم بدور الناس، فلقي الناس من ذلك كلفةً شديدة، وأمَّن معز الدولة ابنَ شيرزاد، فلما ظهر استكتبه على الخَرَاج، ورتب للخليفة بسبب نفقاته خمسة آلاف [درهم] (١) في كل يوم، واستقرت الأمورُ على هذا النظام.

ذكر القَبْض على الخليفة المُستكفي وخَلْعِهِ

لما كان اليوم الثاني والعشرين من جمادى الآخرة حضر معز الدولة إلى الحضرة، فجلس على سرير بين يدي الخليفة، وجاء رجلان من الدَّيْلَم، فمدا أيديهما إلى الخليفة، فأنزلاه عن كرسيه، وسحباه، فتحزَّبت (٢) عِمَامتهُ في حَلْقه، ونهض معز الدولة، واضطربت دار الخلافة حتى خلص إلى الحريم، وتفاقم الحال، وسيق الخليفة ماشيًا إلى دار معز الدولة، فاعتقل بها، وأحضر أبو القاسم بن المقتدر فبويع بالخلافة، وسُمِلَتْ عينا المستكفي، وأودع السِّجْنَ، فلم يزل به


(١) ما بين حاصرتين من (ط).
(٢) أي اشتدت عليه أو ضغطته. القاموس المحيط (حزب).

<<  <  ج: ص:  >  >>