للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال- عشرة أمثاله. أو قال: قريبًا من عشرة أمثاله. أو كما قال. أخرجاه بنحوه من طرقٍ، عن معتمرٍ به.

ثم قال تعالى ذامًا للمنافقين الذين مالوا لبني النّضير في الباطن، كما تقدّم، ووعدهم النصر، فلم يكن من ذلك شيءٌ، بل خذلوهم أحوج ما كانوا إليهم، وغرّوهم من أنفسهم، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [الحشر: ١١ - ١٢]. ثم ذمّهم تعالى على جُبنهم، وقلّة علمهم، وخفّة عقلهم النافع، ثم ضرب لهم مثلًا قبيحًا شنيعًا بالشيطان حين قال للإنسان: ﴿اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [الحشر: ١٦ - ١٧].

قصّة عمرو بن سعدى القرظيّ حين مرّ على ديار بني النّضير وقد صارت يبابًا (١)، ليس بها داعٍ ولا مجيب

وقد كانت بنو النّضير أشرف من بني قريظة، حتى حداه ذلك على الإسلام، وأظهر صفة رسول اللَّه من التوراة.

قال الواقديّ: ثنا إبراهيم بن جعفرٍ، عن أبيه قال: لمّا خرجت بنو النّضير من المدينة، أقبل عمرو بن سعدى، فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها، وفكّر ثم رجع إلى بني قريظة، فوجدهم في الكنيسة، فنفخ في بوقهم، فاجتمعوا، فقال الزَّبير بن باطا: يا أبا سعيدٍ، أين كنت منذ اليوم لم نرك؛ وكان لا يفارق الكنيسة، وكان يتألّه في اليهوديّة، قال: رأيت اليوم عبرًا قد عبّرنا بها؛ رأيت منازل إخواننا خاليةً بعد ذلك العزّ والجلد، والشّرف الفاضل والعقل البارع، قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذُلٍّ، ولا والتوراة ما سلّط هذا على قومٍ قطُ للَّه بهم حاجةٌ، وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزّهم، ثم بيّته في بيته آمنًا، وأوقع بابن سُنينة سيّدهم، وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم، وهم أهل جدٍّ يهود، وكانوا أهل عدّةٍ وسلاحٍ ونجدةٍ، فحصرهم، فلم يخرج إنسانٌ منهم رأسه حتى سباهم، وكلّم فيهم، فتركهم على أن أجلاهم من يثرب، يا قوم، قد رأيتم ما رأيتم، فأطيعوني وتعالوا نتّبع محمدًا، فواللَّه إنّكم لتعلمون أنّه نبيٌّ، قد بشّرنا به وبأمره ابن الهيّبان أبو عميرٍ وابن حراشٍ، وهما أعلم يهود، جاءانا يتوكّفان قدومه، وأمرانا باتباعه، جاءانا من بيت المقدس، وأمرانا أن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما، ودفنّاهما بحرّتنا هذه. فأسكت القوم، فلم يتكلّم منهم متكلّمٌ، ثم أعاد هذا الكلام ونحوه، وخوفهم بالحرب والسّباء والجلاء. فقال الزَّبير بن باطا: قد والتوراة قرأت صفته في التي نزلت على


(١) أي: خرابًا.