للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول اللَّه ، فأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلِّى ببعضهم، وتقوم الطائفة الأخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم؛ ثم تأتي الأُخرى فيصلون معه، ويأخذ هؤلاء حِذرهم وأسلحتهم ليكون لهم ركعةٌ ركعةٌ مع رسول اللَّه []، ولرسول اللَّه []، ركعتان.

ورواه التّرمذيّ والنسائيّ (١) من حديث عبد الصمد به، وقال الترمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.

قلت: إن كان أبو هريرة شهد هذا، فهو بعد خيبر، وإلّا فهو من مرسلات الصحابيّ، ولا يضرّ ذلك عند الجمهور، واللَّه أعلم.

ولم يذكر في سياق حديث جابرٍ عند مسلمٍ، ولا عند أبي داود الطيالسيّ، أمر عُسفان ولا خالد بن الوليد، لكن الظاهر أنّها واحدةٌ. بقي الشأن في أنّ غزوة عسفان قبل الخندق أو بعدها، فإن من العلماء، منهم الشافعيّ، من يزعم أنّ صلاة الخوف إنّما شرعت بعد يوم الخندق؛ فإنّهم أخروا الصلاة يومئذ عن ميقاتها لعذر القتال، ولو كانت صلاة الخوف مشروعةً إذ ذاك، لفعلوها ولم يؤخروها، ولهذا قال بعض أهل المغازي: إنّ غزوة بني لحيان التي صلَّى فيها صلاة الخوف بعُسفان، كانت بعد بني قريظة.

وقد ذكر الواقديّ (٢) بإسناده، عن خالد بن الوليد قال: لمّا خرج رسول اللَّه إلى الحديبية لقيته بعسفان، فوقفت بإزائه وتعرّضت له، فصلّى بأصحابه الظهر أمامنا، فهممنا أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا، فأطلعه اللَّه على ما في أنفسنا من الهمّ به، فصلّى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف.

قلت: وعمرة الحديبية كانت في ذي القعدة سنة ستٍّ (٣) بعد الخندق وبني قريظة كما سيأتي.

وفي سياق حديث أبي عيّاشٍ الزّرقيّ، ما يقتضي أنّ آية صلاة الخوف نزلت في هذه الغزوة يوم عُسفان، فاقتضى ذلك أنّها أول صلاة خوفٍ صلّاها، واللَّه أعلم (٤).

وسنذكر، إن شاء اللَّه تعالى، كيفية صلاة الخوف واختلاف الروايات فيها في كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء اللَّه، وبه الثقة، وعليه التّكلان.

غزوة ذات الرِّقَاع (٥)

قال ابن إسحاق (٦): ثم أقام رسول اللَّه بالمدينة بعد غزوة بني النّضير شهري ربيعٍ وبعض


(١) رواه الترمذي رقم (٣٠٣٥) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (١٩٢٣).
(٢) انظر "المغازي" (٢/ ٧٤٥).
(٣) وقال ابن قيم الجوزية: قال نافع: كانت سنة ست في ذي القعدة، وهذا هو الصحيح، وهو قول الزّهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. انظر "زاد المعاد" (٣/ ٢٥٥).
(٤) انظر "زاد المعاد" (٣/ ٢٢٥).
(٥) وتسمى غزوة نجد أيضًا. انظر "عيون الأثر" (٢/ ٧٩) و"زاد المعاد" (٣/ ٢٢٤) و"الفصول في سيرة الرسول" ص (١٥٨).
(٦) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٠٣).