للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال أيها الدم فتنت الناس فاسكن، فسكن ورسب حتى غاب.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدّثني علي بن أبي مريم، عن أحمد بن حباب، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال أرميا: أي ربّ أيُّ عبادك أحَبُّ إليك؟ قال: أكثرهم لي ذِكراً، الذين يشتغلون بذِكري عن ذكر الخلائق. الذين لا تعرض لهم وساوس الفناء ولا يُحدِّثون أنفسهم بالبقاء. الذين إذا عرض لهم عيش الدنيا قَلُّوه، وإذا زوي عنهم سُرُّوا بذلك. أولئك أنحلهم محبتي وأعطيهم فوق غاياتهم.

ذكر (١) خراب بَيت المقدس

وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٢ - ٨].

وقال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قُم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم قلوباً ولا يفقهون، وأعيناً ولا يبصرون، وآذاناً ولا يسمعون، وإني تذكَّرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم، فسلْهم كيف وجدوا غِبَّ طاعتي، وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي، وهل شقي أحد ممن أطاعني بطاعتي، إن الدوابَّ تذكر أوطانها فتنزع إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم والتمسوا الكرامة من غير وجهها، أما أحبارهم فأنكروا حقي، وأما قُزَاؤهم فعبدوا غيري، وأما نُسّاكهم فلم ينتفعوا بما علموا، وأما وُلاتهم فكذبوا عَليّ وعلى رُسلي. خَزَنوا المكر في قلوبهم، وعوَّدوا الكذبَ ألسنتَهم. وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجنَّ عليهم جيولاً (٢) لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم، ولأبعثن فيهم مَلِكاً جبَّاراً قاسياً، له عساكر كقطع السحاب، ومواكب كأمثال الفجاج، كأن خفقان راياته طيران النسور، وكأن حمل فرسانه كَرّ العقبان، يعيدون العمران خراباً، ويتركون القرى وحشة، فياويل


(١) كلمة ذكر؛ ليست في ط.
(٢) الجيول، لعله يريد الأجيال، جمع جيل.