للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سألوه أن يستصحيَ لهم رفعَ يدَه وقال: "اللَّهُمَّ حَوَالَينا ولا علينا"، فما جعلَ يُشيرُ بيديه إلى ناحيةٍ إلا انحازَ السَّحابُ إليها (١) حتى صارت المدينةُ في مثلِ الإكليل يُمطرُ ما حولَها ولا تُمطر (٢). فهذا تظليلُ غَمام محتاج إليه، آكدُ من الحاجة إلى ذلك، وهو أنفعُ منه، والتصرُّف فيه، وهو يشير، أبلغُ في المعجز وأظهرُ في الاعتناء، واللّه أعلم.

وأما إنزالُ المَنِّ والسَّلوى عليهم فقد كثَّر رسولُ الله الطعامَ والشَّرابَ في غير ما موطن، كما تقدَّم بيانُه في دلائل النبوة من إطعام الجَمِّ الغفير من الشيء اليسير، كما أطعمَ يومَ الخندق من شويهة (٣) جابر بن عبد الله وصاعِه الشعير، أزيدَ من ألف نفسٍ جائعة، صلواتُ الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.

وأطعمَ من حفنة قومًا من الناس، وكانت تُمَدُّ من السماء، إلى غير ذلك من هذا القَبيل مما يطولُ ذكره.

وقد ذكرَ أبو نُعيم وابنُ حامد أيضًا هاهنا: أن المرادَ بالمَنّ والسَّلوى إنما هو رزقٌ رُزقُوه من غير كَدٍّ منهم ولا تعب، ثم أوردَ في مقابلتِه حديثَ تحليل المغنم ولا يحل لأحد قبلنا، وحديث جابر في سرية أبي عُبيدة، وجوعهم حتى أكلوا الخَبَطَ فحسرَ البحرُ لهم عن دَابَّة، تُسمَّى العنبرَ، فأكلوا منها ثلاثين من يوم وليلة حتى سَمِنُوا وتكرَّست عُكَنُ بطونهم، والحديث في الصحيح كما تقدَّم (٤)، وسيأتي عند ذكر المائدة في معجزات المسيح ابن مريم.

قصة أبي مسلم الخَوْلاني

أنه خرجَ هو وجماعة من أصحابه إلى الحج وأمرَهم ألا يَحملوا زادًا ولا مَزادًا، فكانوا إذا نزلوا منزلًا صلَّى ركعتين، فيُؤتون بطعامٍ وشرابٍ وعَلَفٍ يَكفيهم ويَكفي دَوائهم غدَاءً وعَشاء مُدَّة ذهابهم وإيابهم (٥).

وأما قوله تعالى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: ٦٠]. فقد ذكرنا بسطَ ذلك في قِصَّة موسى وفي التفسير.

وقد ذكرنا الأحاديث (٦) الواردةَ في وَضع النبيِّ يدَه في ذلك الإناء الصغير الذي لم يتسع لبسطها


(١) "الإكليل": العصابة، وتُطلق على كل محيط بالشيء.
(٢) رواه بمعناه البخاري (١٠١٧) في الاستسقاء، ومسلم (٨٩٧) باب الدعاء في الاستسقاء.
(٣) "الشويهة": الشاة الصغيرة.
(٤) تقدم الحديث.
(٥) تقدمت قصة أبي مسلم.
(٦) تقدمت الأحاديث.