في سادس المحرم [منها] استسقى أهل بغداد لتأخر الأمطار عن أوانها، فلم يسقوا، وكثر الموت في الناس.
ولما كان يوم عاشوراء عملت [الروافض] البدعة الشنعاء، وكثر النوح والبكاء، وامتلأت بذلك الطرقات والأسواق والأرجاء.
ثم في صفر أمر الناس بالخروج إلى الاستسقاء لقحوط البلاد، فلم يخرج من أهل بغداد باتساعها [وكثرة أهلها] مئة إنسان في الجوامع كلّها.
وفيها: وقع بين الجيش وبين جلال الدولة، فاتفق الحال على خروجه إلى البصرة، فردّ كثيرًا من جواريه إلى أساتيذهنّ قبله، واستبقى بعضهن، وخرج من بغداد، ليلة الإثنين سادس ربيع الأول من هذه السنة، وكتب الغلمان والإسفهسلارية إلى الملك أبي كاليجار ليقدم عليهم، فقد تمهّدت له البلاد، ولم يبق أحد من أهل العناد، ولا الحسّاد، ونهبوا دار جلال الدولة وغيرها، وتأخّر مجيء أبي كاليجار، وذلك أنّ وزيره العادِل بن صافنة، أشار عليه بعدم القدوم إلى بغداد [فأطاعه في ذلك]، فكثرت العيارون ببغداد، وتفاقم الحال بهم، وفسد البلد، وافتقر جلال الدولة بحيث احتاج إلى أن باع بعض ثيابه في الأسوق، وجعل أبو كاليجار يتوهم من الأتراك، ويطلب منهم رهائن، فلم يتفق ذلك، وطال الفصل، فرجعوا إلى مكاتبة جلال الدولة أن يرجع إلى بلده، وشرعوا في الاعتذار إليه، وخطبوا له في البلد على عادته، ثمّ رجع بعد ثلاث وأربعين ليلة إلى بغداد، وأرسل الخليفة الرسل إلى الملك أبي كاليجار، وممن بعث إليه: القاضي أبو الحسن الماوردي، يسلّم عليه ويستوحش منه، فدخلوا عليه وقد تجمّل تجمّلًا عظيمًا، فسأل أن يلقب بالسلطان المعظّم مالك الأمم [فقال الماوردي: هذا ما لا سبيل إليه، لأن السلطان المعظم هو الخليفة، وكذلك مالك الأمم] ثم اتفقوا على تلقيبه بملك الدولة. فأرسل مع الماوردي بتحفٍ عظيمٍ منها ألف ألف دينار سابورية وغير ذلك، ومن الدراهم آلاف [مؤلّفة]، وتحف وألطاف، واجتمع الجند على طلب أرزاقهم من الخليفة فتعذّر ذلك، فراموا أن يقطعوا خطبته، فلم يصلّ الجمعة في هذا الوقت، ثمّ خطب له من الجمعة القابلة، وتخبّط البلد جدًا، وكثر العيارون. ثم في ربيع الآخر من هذه السنة حلف الخليفة لجلال الدولة بخلوص النيّة وصفائها، وأنه على ما يحب من الصدق، وصلاح النيّة والسرير (١). ثم وقع بينهما بسبب لعب جلال الدولة، وشربه النبيذ وتهتُّكه به، ثم اعتذر إلى الخليفة واصطلحا على فساد.