للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سار الموفّق إلى المدينة التي يقال لها: المنصورة، من إنشاء الزَّنج أيضًا، بها سليمان بن جامع، فحاصرها، وقاتلوه دونها، فقُتِلَ خلْقٌ كثير من الفريقين، ورَمَى أبو العباس بن الموفّق أحمد بن هندي بسهمٍ، فأصابه في دماغه فقتله، وكان من أكابر أمراء صاحب الزَّنج، فشقَّ ذلك عليه جدًّا، وأصبح الناس هحاصرين مدينة الزَّنْج، وذلك يوم السبت لثلاث بقين من ربيع الآخر، والجيوش الموفَّقيَّة مرتَّبة أحسن الترتيب، فتقدَّم الموفق، فصلَّى أربع ركعات، وابتهل إلى الله في الدعاء، واجتهد في حصارها، فهزم اللهُ مقاتلتها، وانتهى إلى خندقها فإذا هو قد حُضن غاية التحصين، وإذا قد جعلوا حول البلد خمسة خنادق وخمسة أسوار، فجعل كلما جاوز سورًا قاتلوه دون الآخر، فيقهرهم ويجوز إلى الذي يليه، حتى انتهى إلى البلد فقتل منهم خلْقًا كثيرًا، وهرب بقيَّتُهم، وأسر من نساء الزنج ومن حلائل سليمان بن جامع وذويه نساء (١) كثيرًا وصبيانًا، واستنقذ من أيديهم من النساء المسلمات والصبيان من أهل البصرة والكوفة [وواسط] (٢) نحوًا من عشرة آلاف نسمة، فسيَّرهم إلى أهاليهم، جزاه (٣) الله خيرًا.

ثم أمر بهدم فنادقها وأسوارها وردم خنادقها وأنهارها، وأقام بها سبعة عشر يومًا، وبعث في آثار من انهزم من الزنج، فكان لا يؤتى بأحدٍ منهم إلا استماله إلى الخير برفقٍ ولينٍ وصفحٍ، وأضافه إلى بعض الأمراء، وكان مقصوده رجوعهم إلى الحقّ.

ثم ركب إلى الأهواز، فأجلاهم عنها، وطردهم منها، وقتل خلْقًا كثيرًا من أشرافهم؛ منهم: أبو عيسى محمد بن إبراهيم البصري، وكان رئيسًا فيهم مطاعًا. وغنم شيئًا كثيرًا من أموالهم، وكتب الموفّق إلى صاحب الزَّنج - قبَّحه الله - كتابًا يدعوه إلى التوبة والإنابة مما ارتكبه من المآثم والمظالم والمحارم ودعوى النبوّة والرسالة وخراب البلدان واستحلال الفروج والأموال، ويبذل له الأمان إن هو رجع إلى الحقّ، فلم يردّ عليه صاحبُ الزّنج جوابًا.

ذكر مسيرة أبي أحمد الموفّق إلى المدينة التي فيها صاحب الزَّنج وهي المختارة ليحاصرها

لمَّا كتب أبو أحمد إلى صاحب الزَّنْج يدعوه إلى الحقِّ فلم يجبه، استهانة به، ركب في جيوشٍ عظيةٍ قريب من خمسين ألف مقاتل، قاصدًا إلى مدينته التي أنشأها وسمَّاها المختارة، فلما انتهى إليها وجدها في غاية الإحكام، وقد حوط عليها من آلات الحصار شيئًا كثيرًا، وقد التفَّ على صاحب الزَّنج


(١) في آ: شيئًا كثيرًا.
(٢) زيادة من ب، ظا.
(٣) في آ: جزاهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>