عاش الحافظ ابن كثير عمره البالغ (٧٤) عامًا، في حكم دولة المماليك البحرية، والممتد من عام ٦٤٨ هـ إلى ٧٨٤ هـ وقد انتزع هؤلاء السلطة والحكم من أسيادهم الأيوبيين، وتسمَّوا بالسلاطين مع الاحتفاظ بكلمة مملوك، وآثروا وجود الخلافة (١) العباسية شكلًا وصورة، لتبرير حكمهم، وإضافة شيء من الشرعية عليه، وقد خلا لهم الجو بمصر، وفرغت الساحة، واستطاعوا بفروسيتهم أن يبنوا لهم مجدًا جهاديًا بهزيمة المغول في عين جالوت (٦٥٨ هـ) والتتار في شقحب (٧٠٢ هـ)، وهزيمة لويس التاسع وأسره في دمياط (٦٤٨ هـ) وفتح عكا (٦٩٠ هـ) وتطهير جميع السواحل الشامية من الغزاة الصليبيين إلى الأبد.
واستمروا من عام (٧٠٣ هـ) إلى (٧٨٤ هـ) يخضعون البلاد والعباد بهاجس الخطر الصليبي، الذي يغيب ويظهر، بعد أن تجمعت فلوله في جزيرة قبرص.
وامتدت حدود الدولة المملوكية من اليمن جنوبًا إلى حدود الدولة العثمانية شمالًا، ومن الفرات شرقًا إلى برقة غربًا، وظهرت قوتهم في توحيد الشام ومصر، والتشرف بإخضاع الحجاز؛ لخدمة الحرمين الشريفين. أما بقية الأقاليم فتخضع لعاصمة الحكم في القاهرة بدرجات متفاوتة.
وقد عاصر ابن كثير من ولادته إلى وفاته (٥) خمسة من الخلفاء العباسيين، و (١٥) خمسة عشر سلطانًا، و (٢٠) عشرين نائبًا في دمشق، وسنلقي الضوء على هذه الفترة الزمنية من خلال التعرف على الحياة السياسية، والاجتماعية، والعلمية، والفكرية.
(١) السلطان الظاهر بيبرس هو أول من عمل على إحياء الخلافة العباسية بمصر بدءًا من سنة ٦٥٩ هـ.