للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتفيه، فقال بإصبعه السبّابة هكذا: لحم ناشز (١) بين كتفيه . تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية المصري في كتابه "التنوير في مولد البشير النذير" عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر، المعروف بالحكيم الترمذي؛ أنه قال: كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها: الله وحده. وفي ظاهرها: توجه حيث شئت فإنك منصور. ثم قال: وهذا غريب، واستنكره.

وقال: وقيل: كان من نور، ذكره الإمام أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه "تنقل الأنوار" وحكى أقوالًا غريبة غير ذلك.

ومن أحسن ما ذكره ابن دحية ، وغيره من العلماء قبله، في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله ؛ إشارة إلى أنه لا نبيَّ بعدَك يأتي من ورائِك. قال: وقيل كان على نغض كتفه؛ لأنه يقال: هو الموضع الذي يدخلُ الشيطانُ منه إلى الإنسان، فكان هذا عصمةً له من الشيطان.

قلت: وقد ذكرنا الأحاديث الدالة على أنه لا نبيَّ بعدَه ، ولا رسول، عند تفسير قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٠].

باب جامعٌ لأحاديثَ متفرقة وردتْ في صفةِ رسول الله -

قد تقدم في رواية نافع بن جُبير، عن عليّ بن أبي طالب؛ أنه قال: لم أرَ قبلَه ولا بعدَه مثلَه (٢).


(١) رواه الإمام أحمد في المسند (٣/ ٦٩). و"ناشز": مرتفع وظاهر. وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن ميسرة الخراساني وجهالة شيخه.
فائدة: قال الشامي في كتابه سُبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (٢/ ٦٣ - ٦٨) "اختُلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى -وذكر إحدى وعشرين صفة، مع رواياتها- ثم قال:
قال العلماء: هذه الروايات متقاربة في المعنى، وليس ذلك باختلاف، بل كل راو شبَّه بما سنح له، فواحد قال: كزِرِّ الحجلة، وهو بيض الطائر المعروف أو أزرار البشخاناه (بيت كالقبة له عرا).
وآخر كبيضة الحمامة، وآخر كالتفاحة، وآخر بضعة لحم ناشزة، وآخر لحمة ناتئة، وآخر كالمِحجمة، وآخر كرُكبة العنز. وكلها ألفاظ مؤداها واحد وهو قطعة لحم. ومن قال: شعر؛ فلأن الشعر حوله متراكب عليه؛ كما في الرواية الأخرى.
قال أبو العباس القرطبي في المُفهم: دلَّت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئًا بارزًا أحمر عند كتفه الأيسر، إذا قُلِّل قدْر بيضة الحمامة، وإذا كُبِّر قدر جُمْع اليد.
(٢) تقدم الحديث أكثر من مرة، وهو عند الترمذي في الجامع رقم (٣٦٣٧) في المناقب، وقال عقبة: هذا حديث حسن صحيح.