للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد [قويت و] تحققت بين المختار وابن الزبير في هذه السنة، وعما قليل سيَّر مصعب (١) من البصرة إلى الكوفة لحصار المختار على يد مصعب بن الزبير وأهل البصرة (٢).

مقتل المختار بن أبي عبيد الكذاب (٣)

كان عبد اللَّه بن الزبير قد عزل في هذه السنة عن نيابة البصرة الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة المخزومي المعروف بالقُباع، وولاها لأخيه مصعب بن الزبير، ليكون [ردءًا و] قرنًا وكفئًا للمختار بن أبي عبيد، فلما قدِم مصعب البصرة دخلها متلثمًا فتيمم المنبر، فلما صعده قال الناس: أمير أمير، فلما كشف اللثام عَرَفه الناس فأقبلوا إليه، وجاء القُباع فجلس تحته بدرجة، فلما اجتمع الناس قام مصعب خطيبًا فاستفتح القصص حتى بلغ: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: ٤]، وأشار بيده نحو الشام أو الكوفة، ثم قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٥ - ٦]، وأشار إلى الحجاز. وقال: يا أهل البصرة إنكم تلقبون أمراءكم، وقد سميت نفسي الجزار، فاجتمع عليه الناس وفرحوا له، ولما انهزم أهل الكوفة حين خرجوا على المختار فقهرهم وقتل منهم من قتل، كان لا ينهزم أحد من أهلها إلا قصد البصرة، ثم خرج المختار ليلتقي ابن الأشتر حين بلغه أنه قتل ابن زياد اغتنم غيبته أهل الكوفة فأرغبوا في الخروج إلى البصرة؛ ثم جعلوا يحرضون مصعبًا على المختار ويؤلبون عليه من جهة قلة دينه (٤) ودعواه أنه يأتيه الوحي، وأنه قدّم الموالي على الأشراف، واتفق أن ابن الأشتر حين قتل ابن زياد واستقلّ بتلك النواحي، فأحرز بلادًا وأقاليم ورساتيق لنفسه، واستهان بالمختار، فطمع مصعب فيه وبعث محمد بن الأشعث بن قيس على البريد إلى المهلب بن أبي صفرة، وهو نائبهم على خراسان، فقدم في تجمُّل عظيم ومال ورجال وعَددٍ وعُددٍ، وجيش كثيف، ففرح به أهل البصرة وتقوّى به مصعب، فركب في أهل البصرة ومن اتبعهم من أهل الكوفة فركبوا في البحر والبر قاصدين الكوفة.

[وقدم مصعب بين يديه عباد بن الحصين، وجعل على ميمنته عمر بن عبيد اللَّه بن معمر، وعلى الميسرة المهلب بن أبي صفرة، ورتَب الأمراء على راياتها وقبائلها، كمالكِ بن مسمع، والأحنف بن


(١) في ط: أمر ابن الزبير أخاه مصعبًا أن يسير. .
(٢) مكانها في ط: وقتاله واللَّه أعلم.
(٣) الخبر في تاريخ الطبري (٦/ ٩٣) وما بعدها، والكامل لابن الأثير (٣/ ٣٣١) وما بعدها، وتاريخ الإسلام (٥/ ٥٧) والمنتظم (٦/ ٦٣).
(٤) مكانها في ط: بالذي جاء بالرؤوس والبشارة، اغتنم من بقي بالكوفة من أعداء المختار غيبته فذهبوا إلى البصرة فرارًا من المختار لقلة دينه وكفره.