للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روى عبد الرزاق: عن هشام بن حسَّان، عن سوَّار، خَبر عطاءَ بن أبي رباح: أنه كان لما أُهبط رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، فحطَّه اللَّه إلى ستين ذراعًا. وقد رُوي عن ابن عباس نحوه (١).

وفي هذا نظر لما تقدَّم من الحديث المتفق على صحته: عن أبي هريرة؛ أن رسول اللَّه قال: "إنَّ اللَّه خلقَ آدمَ وطولُه ستونَ ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقصُ حتى الآن". وهذا يقتضي أنه خُلِقَ كذلك لا أطول من ستين ذراعًا، وأن ذرِّيته لم يزالوا يتناقصُ خلقهم حتى الآن.

وذكر ابن جرير (٢): عن ابن عبَّاس: إن اللَّه قال: يا آدم! إنَّ لي حَرَمًا بحيال عرشي، فانطلقْ فابن لي فيه بيتًا، فطُفْ به كما تطوفُ ملائكتي بعرشي. وأرسلَ اللَّه له مَلَكًا فعرَّفه وعلَّمه المناسك. وذكرَ أنَّ موضعَ كلِّ خطوة خطاها آدم صارت قريةً بعد ذلك.

وعنه (٣): أنَّ أوَّل طعام أكلَه آدمُ في الأرض، أنْ جاءَه جبريلُ بسبع حبَّات من حِنْطةٍ، فقال: ما هذا؟ قال: هذا من الشجرة التي نُهيتَ عنها فأكلتَ منها. فقال: وما أصنعُ بهذا؟ قال: ابذرْه في الأرض، فبذرَه، وكان كلُّ حبَّةٍ، منها زِنتُها أزيدُ من مئة ألف، فنبتتْ، فحصدَه، ثم درسَه، ثم ذرَّاه، ثم طحنَه، ثم عجنَه، ثم خبزَه فأكلَه بعد جَهْد عظيم وتَعَبٍ ونَكَد، فذلك قوله تعالى: ﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ [طه: ١١٧].

وكان أول كسوتهما من شعر الضأن، جزَّاه ثم غزلاه فنسج آدم له جبة، وَلِحَوَّاءَ درعًا وخمارًا.

واختلفوا: هل وُلد لهما بالجنَّة شيءٌ من الأولاد، فقيل: لم يُولد لهما إلا في الأرض. وقيل: بل وُلد لهما فيها، فكان قابيلُ وأختُه ممن وُلد بها، فاللَّه أعلم.

وذكروا أنه كان يُولد له في كلِّ بطنٍ ذكرٌ وأنثى، وأُمِرَ أنْ يُزوِّجَ كلَّ ابنٍ أختَ أخيه التي وُلدت معه والآخر بالأخرى وهلمَّ جرًّا، ولم يكن تحلُّ أختٌ لأخيها الذي وُلدت معه.

* * *

ذكر قصَّةِ ابنيْ آدم قابيل وهَابيل

قال اللَّه تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ


(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (١/ ١٣٦).
(٢) في التفسير (١٧/ ١٤٢).
(٣) في تاريخه (١/ ١٢٨).