للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحد من علماء السلف، بسياقات تُوافق هذه الأحاديث، وتقدَّم أنه تعالى لما أمرَ الملائكةَ بالسجود لآدمَ امتثلوا كلُّهم الأمرَ الإلهي، وامتنعَ إبليس من السجود (١) حسدًا وعداوة له، فطردَه اللَّه وأبعدَه وأخرجَه من الحضرة الإلهية، ونفاه عنها، وأهبطَه إلى الأرض طريدًا ملعونًا شيطانًا رجيمًا.

وقد قال الإمام أحمد (٢): حدَّثنا وكيع ويعلى ومحمد ابنا عُبيد، قالوا: حدَّثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه : "إذا قرأ ابنُ آدمَ السجدة فسجدَ، اعتزلَ الشيطانُ يبكي، يقول: يا ويله، أُمرَ ابنُ آدمَ بالسجود فسجدَ، فله الجنَّة، وأُمرتُ بالسجود، فعصيت، فلي النَّار". ورواه مسلم (٣): من حديث وكيع وأبي معاوية، عن الأعمش، به.

ثم لما أُسكن آدم الجنة التي أُسكنها، سواء كانت في السماء أو في الأرض على ما تقدَّم من الخلاف فيه، أقام بها هو وزوجتُه حوَّاء يأكلان منها رغدًا (٤) حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نُهيا عنها، سُلبا ما كانا فيه من اللِّباس، وأُهبطا إلى الأرض، وقد ذكرنا الاختلافَ في مواضع هبوطه منها.

واختلفوا في مقدار مقامه في الجنَّة، فقيل: بعضُ يوم من أيام الدنيا، وقد قدَّمنا ما رواه مسلم: عن أبي هريرة مرفوعًا "وخُلِقَ آدمُ في آخر ساعةٍ من ساعاتِ يوم الجمعة" (٥) وتقدَّم أيضًا حديثه عنه وفيه -يعني (٦): يوم الجمعة- خلق آدم، وفيه أُخرج منها (٧). فإن كان اليومُ الذي خُلِقَ فيه أُخرجَ، وقلنا إنَّ الأيام الستة كهذه الأيام، فقد لبثَ بعضَ يوم من هذه، وفي هذا نظر. وإن كان إخراجُه في غير اليوم الذي خُلِقَ فيه، أو قلنا بأنَّ تلك الأيام مقدارُها ستة آلاف سنة، كما تقدَّم عن ابن عباس ومجاهد والضحَّاك، واختاره ابن جرير، فقد لبثَ هناك مدة طويلة.

قال ابن جرير (٨): ومعلومٌ أنه خُلِقَ في آخر ساعة من يوم الجمعة، والساعة منه ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فمكث مصوَّرًا طينًا قبل أن يُنفخ فيه الروح أربعين سنة، وأقام في الجنَّة قبلَ أن يهبطَ ثلاثًا وأربعينَ سنة وأربعة أشهر. واللَّه تعالى أعلم.


(١) في المطبوع: من السجود له.
(٢) في المسند (٢/ ٤٤٣).
(٣) في صحيحه (٨١) في الإيمان.
(٤) رغدًا: طيِّبًا.
(٥) تقدم الحديث وتخريجه (ص ١٢٥).
(٦) في الأصل: معين.
(٧) تقدم الحديث وتخريجه (ص ١٢٥).
(٨) في تاريخه (١/ ١٢٣).