للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شيء من ترجمة الأوزاعي ]

هو عبدُ الرحمن بن عمرو بن يُحْمِد، أبو عمرو الأوزاعي، والأوْزَاع بطنٌ من حِمْيَر، وهو من أنفسِهم. قاله محمدُ بن سعد (١). وقال غيرُه: لم يكن من أنفُسهم، وإنما نزلَ في مَحَلَّةِ الأوزاع؛ وهي قريةٌ خارجَ بابِ الفراديس من قُرَى دمشق؛ وهو ابنُ عمِّ يحيى بن عمرو الشيباني.

قال أبو زُرْعة: وأصلُهُ من سبي السِّنْد، فنَزَلَ الأوْزاع، فغلَب عليه النسبةُ إليها.

وقال غيره: ولد ببَعْلَبَك، ونشأ بالبقاع يتيمًا في حِجْرِ أُمِّه، وكانت تنتقلُ بهِ من بلدٍ إلى بلد، وتأدَّب بنفسِه، فلم يكنْ في أبناءِ الملوكِ والخلفاءِ والوزراءِ والتُّجَّارِ وغيرهم أعقلَ منه، ولا أوْرَع ولا أعلم ولا أفصَح ولا أوْقَرَ ولا أحلمَ ولا أكثرَ صَمْتًا منه؛ ما تكلَّم بكلمةٍ إلَّا كان المتعيِّنُ على منْ سَمِعها من جلسائه أنْ يكتبَها عنهُ من حسنِها.

وكان يُعاني الرسائلَ والكتابة، وقد اكتتبَ مرَّةً في بعثٍ إلى اليمامة؛ فسمع الحديث من يحيى بن أبي كثير، وانقطعَ إليه، فأرشدَهُ إلى الرحلة إلى البصرةِ ليسمعَ من الحسنِ وابنِ سيرين، فسارَ إليه فوجد الحسنَ قد تُوفِّيَ من شهرَيْن، ووجد ابنَ سيرين مريضًا، فجعل يتردَّدُ لعيادتِه، فقَوي المرضُ به ومات؛ ولم يسمع منه الأوزاعيُّ شيئًا.

ثم جاء فنزل دمشقَ بمحلَّةِ الأوْزَاع -خارجَ بابِ الفَرَاديس- وسادَ أهلَهَا في زمانِه وسائرَ البلادِ في الفِقْهِ والحديثِ والمغازي وغيرِ ذلك من علومِ الإسلام؛ وقد أدركَ خلقًا من التابعين وغيرهم، وحدَّثَ عنه جماعاتٌ من ساداتِ المسلمين، كمالكِ بن أنس، والثوري والزُّهري -وهو من شيوخِه- وأثنى عليه غيرُ واحدٍ من الأئمة، وأجمع المسلمونَ على عدالتِهِ وإمامتِه.

قال مالك: كان الأوزاعي إمامًا يُقتدى به. وقال سفيانُ بن عُيينة وغيره: كان الأوزاعيُّ إمامَ أهل زمانهِ؛ وقد حجَّ مرةً فدخلَ مكةَ وسفيانُ الثوري آخذٌ بزمامِ جمَلِه، ومالكُ بن أنس يسوقُ به، والثوريُّ يقول: افسحوا للشيخ؛ حتى أجلساه عندَ الكعبة، وجلَسَا بين يديه يأخذانِ عنه. وقد تذاكَرَ مالكٌ والأوزاعي مرَّةً بالمدينةِ من الظهر حتى صلَّيَا العصر، ومن العصرِ حتى صلَّيَا المغرب؛ فغَمَرَهُ الأوزاعيُّ في المغازي، وغمَرَهُ مالكٌ في الفقه، أو في شيء من الفقه.

وتناظَرَ الأوزاعيُّ والثوريُّ في مسجدِ الخليفةِ في مسألةِ رفعِ اليدَيْنِ في الركوعِ والرَّفْعِ منه، فاحتجَّ الأوزاعيُّ على الرفعِ في ذلك بما رواهُ عن الزُّهري عن سالم، عن أبيه، أنَّ رسولَ اللَّه كان يرفعُ يدَيْهِ


(١) في ترجمته في الطبقات الكبرى (٧/ ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>