للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها قتل الرشيدُ الهَيْصَمَ اليماني. ومات عيسى بنُ جعفر وهو يريدُ اللَّحَاقَ بالرشيد، فمات في الطريق.

وفيها حجَّ بالناس العباسُ بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي جعفر المنصور.

[وفيها توفي]

إسماعيلُ بن جامع (١) بن إسماعيل بن عبد اللَّه بن المطلب بن أبي وَدَاعة أبو القاسم، أحدُ المشاهيرِ بالغناء. كان مِمَّنْ يُضرب به المثَل. وقد كان أولًا يَحفَظُ القرآن، ثم صار إلى صناعةِ الغناء، وترك القرآن. وذكر عنه أبو الفرج بن علي بن الحسين صاحب الأغاني حكاياتٍ غريبة (٢)، من ذلك أنه قال: كنتُ يومًا مشرفًا من غُرْفةٍ بحرَّان (٣)، إذ أقبلَتْ جاريةٌ سوداء، معها قِرْبةٌ تستقي الماء، فجلسَتْ ووضَعَتْ قِربتَها واندفعتْ تُغنِّي:

إلى اللَّه أشكو بُخْلَها وسماحتي … لها عَسَلٌ منِّي وتَبْذُلُ عَلْقَما

فرُدِّي مُصَابَ القلبِ أنتِ قتلتِهِ … ولا تترُكِيهِ هائمَ القلبِ مُغْرَما

قال: فسمعتُ ما لا صَبْرَ لي عنه، ورجَوْتُ أنْ تُعيدَه؛ فقامَتْ وانصرفَتْ، فنَزَلْتُ وانطلقتُ وراءها، وسألتُها أن تعيدَه، فقالت: إنَّ عليَّ خراجًا كلَّ يومٍ درهمَيْن، فأعطيتُها درهمين، فأعادَتْهُ، فحَفِظْتُهُ وسلكته يومي ذلك، فلما أصبحتُ أنسيتُه، فأقبلتِ السوداءُ فسألتُها أنْ تعيدَه، فلم تفعَلْ إلَّا بدرهمين، ثم قالت: كأنكَ تستكثرُ أربعةَ دراهم! كأنِّي بكَ وقد أخذتَ عليه أربعةَ آلافِ دينار. قال ابنُ جامع: فغنَّيتُهُ ليلةً للرشيد، فأعطاني ألفَ دينار، ثم استعادَنِيهِ ثلاثَ مرَّاتٍ أخرى، وأعطاني ثلاثةَ آلافِ دينار؛ فتبسَّمتُ، فقال: ممَّ تبسَّمتَ؟ فذكرتُ له القصة، فضَحِك وألقى إليَّ كيسًا آخرَ فيه ألفُ دينارٍ، وقال: لا أكذبُ السوداء.

وحكى عنه أيضًا قال (٤): أصبحتُ يومًا بالمدينةِ وليس معي إلا ثلاثةُ دراهم، فإذا جاريةٌ على رقبتِها جرَّةٌ تُريدُ الرَّكِيّ، وهي تسعَى وتترنَّمُ بصوتٍ شَجِيّ:

شكَوْنا إلى أحبابنا طولَ ليلِنا … فقالوا لنا ما أقصَرَ الليلَ عندَنا

وذاكَ لأنَّ النَّومَ يَغْشَى عيونَهم … سريعًا ولا يَغْشَى لنا النَّومُ أعْيُنَا


= لدُنُوِّه. وقيل غير ذلك، انظر لسان العرب (طفف).
(١) ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (٦/ ٣٠٤)، الإكمال لابن ماكولا (٤/ ٣٠٢)، تهذيب مستمر الأوهام له (٢٥٩)، المنتظم لابن الجوزي (٩/ ١٩٨)، النجوم الزاهرة (٢/ ١٣٩).
(٢) الأغاني (٦/ ٣٠٤)، وما بعدها، والحكاية الآتية في (٦/ ٣٥٠).
(٣) كذا في الأصول، وفي الأغاني: "في غرفة لي باليمن".
(٤) يعني صاحب الأغاني في كتابه الأغاني (٦/ ٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>