للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل في مجيء الرَّبِّ كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه

ذُكر في حديث الصور المتقدّم أنّه إذا ذهب رسولُ اللَّه فشفع عند اللَّه ليَفْصِل بَيْن العباد، فيقول الرب تعالى: أنا آتيكم فأقضي بينكم، ثم يَرْجِعُ رسول اللَّه فيقف مع الناس في مقامِه الأوَّل، فحينئذ تَنْشقُّ السَّماوتُ بغَمامِ النُّور وتَتَنزَّلُ المَلائكةُ تَنْزيلًا، فيَنْزلُ أهْلُ السَّماءِ الدُّنْيَا، وهم قَدْرُ أهل الأرض من الجن والإنس، فيُحيطونَ بهم دَائرةً، ثمَّ تنشق السماءُ الثانية، فتنزل ملائكتها وهم قدر الجن والإنس، وقدر ملائكة سماء الدنيا، فيحيطون بمن هناك من الملائكة والجن والإنس دائرة، ثم كذلك أهل السماء الثالثة، والرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فكلّ أهل سماءٍ يُحيط بمنْ قبلهم دائرةً، ثم تنْزلُ الملائكة الكَرُوبيُّونَ وحَمَلةُ العَرْش، ومن حولهم من المُقَرَّبين، ولهم زَجَلٌ بالتسبيح، والتقديس، والتعظيم، يقولون: سبحانَ ذي العِزَّة والجَبَرُوت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الْحَىّ الذي لا يموت، سُبْحانَ الذي يُميتُ الْخَلائق ولا يَمُوت، ثم يأتيهم اللَّه لفصل القضاء.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في "الأهوال": حدّثنا حمزة بن العبَّاس، حدّثنا عبد اللَّه بن عُثمانَ، حدّثنا ابن المبارك، حدّثنا عَوْفٌ، عن أبي المِنْهال، سيَّار بن سَلامة الرَّياحيِّ، حدّثنا شَهْرُ بن حَوْشَب، حدّثني ابنُ عبَّاس، قال: إذا كان يومُ القيامة مُدَّتِ الأرضُ مَدَّ الأدِيم، وزِيدَ في سَعتها كذا وكذا وجُمعَ الخَلائقُ بصعيدٍ واحدٍ، جِنُّهم وإنْسُهُمْ، فإذا كان كذلك قِيضَت (١) هذه السماء الدنيا عن أهلها، فنُثِر مَنْ فيها على وجْهِ الأرْضِ، وأهْلُ هَذِهِ السَّماءَ الدُّنْيا وَحْدَهُمْ أكْثَرُ منْ جَميع أهلِ الأرض، جنِّهم، وإنْسهم بالضِّعْفِ، فإذا رآهم أهلُ الأرض فَزِعُوا إلَيْهم، ويقولون: أفيكُمْ رَبنا؟ فيفْزَعُون منْ قولهم، ويقولون: سُبْحانَ رَبِّنا، [لَيس فينا]، وهو آتٍ، [ثم تُقاضُ السَّماءُ الثانية، ولأهْلُ السماء الثانية أكْثَرُ من أهْلِ هذه السماء الدُّنيا، ومنْ جميع أهل الأرض بالضِّعْف، فإذا نُثرُوا على وجْه الأرض فَزِعَ إليهم أهْلُ الأرض، ويقولون: أفيكمُ رَبُّنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سُبْحان رَبِّنا [ليس فينا] وهو آتٍ، ثم تُقَاضُ السماوات، سماءً، سماءً، كلّما قِيضت سماءٌ كانت أكثْرَ منْ أهل السماوات التي تَحْتَها، ومن جميع أهل الأرض بالضِّعْف، جنِّهم، وإنْسِهم، كلّما نُثرُوا على وجْه الأرض فَزِع إليهم أهْلُ الأرض، ويقولون لهم مثل ذلك ويرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تُقاضَ السَّماءُ السَّابعةُ، ولأهلُها وحدَهم أكْثرُ منْ أهلِ ستِّ سمواتٍ، ومن أهل الأرض من الجن والإنس بالضِّعْف، ويجيء اللَّهُ فيهم،


(١) أي شقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>