للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر بعث رسول الله أبا بكرٍ الصِّدِّيق أميرًا على الحجّ سنة تسعٍ (١) ونزول سورة "براءة"

قال ابن إسحاق بعد ذكره وفود أهل الطائف إلى رسول الله في رمضان كما تقدم بيانه مبسوطًا. قال: ثم أقام رسول الله بقية شهر رمضان وشوَّالًا وذا القعدة، ثم بعث أبا بكرٍ أميرًا على الحجِّ من سنة تسعٍ؛ ليقيم للمسلمين حجَّهم، وأهل الشرك على منازلهم من حجِّهم لم يصدُّوا بعد عن البيت، ومنهم من له عهدٌ مؤقَّتٌ إلى أمدٍ، فلما خرج أبو بكرٍ، ، بمن معه من المسلمين، وفصل عن المدينة، أنزل ﷿ هذه الآيات من أول سورة التوبة: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ إلى آخر القصة.

ثم شرع ابن إسحاق يتكلَّم على هذه الآيات، وقد بسطنا الكلام عليها في "التفسير" (٢) ولله الحمد والمنة.

والمقصود أن رسول الله بعث عليًّا، ، بعد أبي بكرٍ الصِّدِّيق، ليكون معه، ويتولَّى عليٌّ بنفسه إبلاغ البراءة إلى المشركين نيابةً عن رسول الله ؛ لكونه ابن عمِّه من عصبته.

قال ابن إسحاق (٣): حدثني حكيم بن حكيم بن عبَّاد بن حُنيفٍ، عن أبي جعفرٍ محمد بن عليٍّ أنه قال: لما نزلت "براءةٌ" على رسول الله ، وقد كان بعث أبا بكرٍ الصديق، ، ليقيم للناس الحجَّ، قيل له: يا رسول الله، لو بعثتَ بها إلى أبي بكرٍ. فقال: "لا يؤدِّي عني إلا رجلٌ من أهل بيتي". ثم دعا عليَّ بن أبي طالبٍ فقال: "اخرج بهذه القصة من صدر "براءة" وأذِّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنىً: ألا إنه لا يدخل الجنة كافرٌ، ولا يحجُّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريانٌ، ومن كان له عند رسول الله عهدٌ فهو له إلى مدته". فخرج عليُّ بن أبي طالبٍ على ناقة رسول الله العضباء حتى أدرك أبا بكرٍ بالطريق، فلما رآه أبو بكرٍ قال: أميرٌ أو مأمورٌ؟ فقال: بل مأمورٌ. ثم مضيا، فأقام أبو بكرٍ للناس الحجَّ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحجِّ التي كانوا عليها في


(١) انظر "حسن الصفا والابتهاج بذكر من ولي إمارة الحاج" للرشيدي ص (٩٠) بتحقيق الدكتورة ليلى عبد اللطيف أحمد، طبع مكتبة الخانجي بالقاهرة.
(٢) انظر "تفسير القرآن العظيم" للمؤلف (٤/ ٤٤).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٥٤٥).