للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى أزالَهم عن مواضعهم، واستردَّ منهم هرثمةَ وجماعةً ممن كانوا أسروهم من أصحابه؛ فشقَّ ذلك على محمدٍ الأمين وقال في ذلك:

مُنيتُ بأشجَعِ الثقلَيْنِ قلبًا … إذا ما طال ليس كما يطولُ

له معَ كُلِّ ذي بدَنٍ رقيبٌ … يُشاهدُهُ ويعلمُ ما يقولُ

فليس بمُغْفلٍ أمرًا عِنادًا … إذا ما الأمرُ ضَيَّعهُ الغفولُ (١)

وضعف أمرُ الأمينِ جدًّا ولم يبقَ عنده مالٌ يُنفقهُ على جُنده، ولا على نفسِه، وتفرَّق أكثرُ أصحابِه عنه، وبقي مضطهَدًا ذليلًا.

ثم انقضَتْ هذه السنةُ بكمالِها والناسُ في بغدادَ في قلاقلَ وزلازل وأهوِيَةٍ مختلفة، وقتالٍ وحريق وسرقات. فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، وساءت بغدادُ فلم يبقَ فيها أحدٌ يردُّ عن أحد، كما هي عادةُ الفتنة.

وحجَّ بالناس فيها العباسُ بن موسى بن عيسى الهاشمي، ودعا للمأمون.

وفيها تُوفي من السادةِ الأعيان:

شُعيب بن حَرْب أحدُ الزّهَّاد،

وعبدُ اللَّه بن وَهْب إمامُ أهلِ الديارِ المصرية،

وعبدُ الرحمن بن مُسْهِر، أخو عليِّ بن مُسْهِر،

وعثمان بن سعيد الملقب بوَرْش أحدُ القرَّاء المشهورين الرواةِ عن نافع بن أبي نُعيم.

ووَكيع بن الجرَّاح الرُّؤَاسي أحدُ أعلامِ المحدِّثين. مات عن ستٍّ وستين سنة.

[ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومئة]

فيها خامَرَ خُزيمة بن خازم على محمدٍ الأمين، وأخذ الأمانَ من طاهر، ودخل هَرْثمةُ بن أعْيَن من الجانب الشرقي. وفي يوم الأربعاء لثمانٍ خلَوْنَ من المحرَّم وثَبَ خُزيمةُ بن خازم ومحمدُ بن علي بن عيسى على جسرِ بغداد فقطَعاه ونصَبَا رايتَهما عليه؛ ودعَوْا إلى بيعةِ عبدِ اللَّه المأمون، وخَلْعِ محمدٍ الأمين. ودخل طاهرٌ يومَ الخميس إلى الجانب الشَّرْقي، فباشر القتالَ بنفسِه، ونادَى بالأمانِ لمنْ لزم مَنْزَله. وجرَتْ عند دارِ الرقيقِ والكَرْخ وغيرِهما وقعات؛ وأحاطوا بمدينةِ أبي جعفر والخُلْد، وقصرِ زُبيدة، ونصَبَ المجانيق حولَ السُّور وحذاءَ قصرِ زُبيدة، ورماهُ بالمنجنيق، فخرج الأمينُ بأُمِّهِ وولَدِه إلى


(١) الأبيات في تاريخ الطبري (٥/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>