للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: فاحلف لنا على ذلك. قال: أمَّا اليمين فإنِّي أبذُلها [لكم] (١)، ولكنِّي أدَّخرها حتَّى تكون بحضرة الهاشميين والقضاة والمعدّلين وأصحاب المراتب في غدٍ إذا صلَّيت صلاة الجمعة. قال: فكأنهم لانوا لذلك قليلًا (٢).

ولمَّا كان يوم الأحد لثمانٍ بَقين من صفر ظفروا بصالح بن وصيف، فقتل وجيء برأسه إلى المهتدي باللّه وقد انفتَلَ من صلاة المغرب، فلم يزِدْ على أن قال: واروه، ثم أخذ في تسبيحه وذكره. ولما أصبح الصباح يوم الإثنين رُفع الرأس على رمح ونودي عليه في أرجاء البلد: هذا جزاء مَنْ قتل مولاه. وما زال الأمر مضطربًا حتى تفاقم الأمر وعظم الخطب.

ذكر خلْع المهتدي وولاية المعتمد أحمد بن المتوكل وإيراد شيء من فضائل المهتدي

لمَّا بلغ موسى بن بُغا أن مساور الشاري قد عاث بتلك الناحية، ركب إليه في جيشٍ كثيفٍ ومعه مُفْلِح وبايكباك (٣) التركي، فاقتتلوا هم ومساور الخارجي، فلم يظفروا منه بشيء، فعجزهم وهرب منهم وأعجزهم، وقد فعل قبل مجيئهم الأفاعيل المنكرة. والمقصود أنَّ الخليفة المهتدي باللّه أراد أن يخالف بين كلمة الأتراك، فكتب إلى بايكباك: أن يتسلم الجيش من موسى بن بُغا، ويكون هو الأميرَ على الناس، وأن يقبلَ بهم إلى سامُرّاء. فلما وصل إليه الكتاب أقرأه موسى بن بُغا، فاشتدَّ غضبه على المهتدي، واتفقا عليه، وقصدا إليه إلى سامُرّا، وتركا ما كانا فيه. فلمَّا بلغ ذلك المهتدي استخدم من فوره جندًا من المغاربة والفراعنة والأشروسْنيَّة والأرزكشيّة والأتراك أيضًا، وركب في جيشٍ كثيفٍ، فلمَّا سمعوا به رجع موسى بن بُغا إلى طريق خراسان وأظهر بايكباك السمع والطاعة، فدخل في ثاني عشر رجب إلى الخليفة سامعًا مطيعًا، فلمَّا أوقف بين يديه وحوله الأمراء والسادة من بني هاشم شاورهم فيه، فقال له صالح بن عليّ بن يعقوب بن أبي جعفر المنصور: يا أمير المؤمنين! لم يبلغ أحدٌ من الخلفاء في الشجاعة والإقدام ما بلغْتَ، وقد كان أبو مسلم الخراساني شرًّا من هذا وأكثرَ جندًا، ولما قتله أبو جعفر المنصور سكنت الفتنة، وخَمَدَ صوتُ أصحابه. فأمر عند ذلك المهتدي بالله بضرب عنق بايكباك، ثم ألقى رأسه إلى الأتراك، فلما رأوا ذلك أعظموه، وأصبحوا من الغد مجتمعين على أخيه طغوتيا، فخرج إليه الخليفة فيمن معه، فلمَّا التقوا خامرت الأتراك الذين كانوا مع الخليفة إلى أصحابهم، وصاروا إلبًا


(١) زيادة من ط والطبري.
(٢) انظر تاريخ الطبري (٩/ ٤٤١ - ٤٤٣).
(٣) في ب، ظا والنجوم الزاهرة: باكباك، وفي الكامل لابن الأثير: بابكيال. وفي سير أعلام النبلاء وتاريخ الخلفاء: باكيال.

<<  <  ج: ص:  >  >>