للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة أخرى]

قال الحسن بن عرفة: حدَّثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي سبرة النخعي قال: أقبلَ رجلٌ من اليمن، فلما كان ببعض الطريق نَفَقَ حمارُه، فقامَ وتوضَّأ، ثم صلَّى ركعتين، ثم قال: اللهم إني جئتُ من الدَّثينَة (١) مجاهدًا في سبيلك وابتغاءِ مرضاتك، وأنا أشهدُ أنك تُحيي الموتى وتبعثُ من في القبور، لا تجعل لأحد عليَّ اليوم مِنَّة، أطلبُ إليك اليومَ أن تبعثَ حماري، فقامَ الحِمارُ ينفضُ أذنيه (٢).

قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، ومثلُ هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة.

قال البيهقي (٣): وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي وغيره، عن محمد بن عُبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، وكأنه عند إسماعيل من الوجهين، والله أعلم.

قلت: كذلك رواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل، عن الشعبي، فذكره. قال الشعبيُّ: فأنا رأيتُ الحِمارَ بيعَ - أو يُباعُ - في الكُناسَة - يعني الكوفة - وقد أوردَها ابن أبي الدنيا من وجه آخر، وأن ذلك كان في زمن عمر بن الخطاب، وقد قال بعضُ قومه في ذلك:

ومِنَّا الَّذي أَحيَا الإلهُ حمارَهُ … وَقَد ماتَ مِنهُ كُلُّ عُضوٍ ومَفصِل (٤)

وأما قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته للنبي ولأبي بكر وعمر وعثمان بالصدق فمشهورة مروية من وجوه كثيرة صحيحة.

قال البخاري في التاريخ الكبير: زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري، شهد بدرًا، وتوفي في زمن عثمان، وهو الذي تكلَّم بعد الموت (٥).

وروى الحاكمُ في مستدركه، والبيهقي في دلائله، وصحَّحه كما تقدَّم من طريق القعنبي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب؛ أن زيدَ بن خارجةَ الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج، توفي زمنَ عثمان بن عفَّان، فسُجِّي في ثوبه، ثم إنهم سمعوا جَلجَلَة في صدره، ثم تكلَّم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدقَ صدقَ. أبو بكر الضعيف في نفسه، القوي في أمر الله، في الكتاب الأول صدقَ صدقَ، عمر بن الخطاب القويُّ في الكتاب الأول، صدقَ


(١) "الدَّثينة": ناحية بين الجَنَد وعَدَن. معجم البلدان (٢/ ٤٤٠).
(٢) رواه البيهقي في الدلائل (٦/ ٤٨).
(٣) انظر دلائل النبوة؛ للبيهقي (٦/ ٤٩).
(٤) دلائل النبوة (٦/ ٤٩).
(٥) انظر التاريخ الكبير؛ للبخاري (٢/ ١/ ٣٨٨).