للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كتابة التاريخ ووصل السيرة بمبدأ الخليقة، ووضعها في مجريات التاريخ الإسلامي العام.

ويبقى الحافظ ابن كثير مؤلِّفًا متفردًا عن غيره من المؤرخين ومتميزًا بهذه الخاتمة التي أنهى بها كتابه، فكان منطقيًا ومنسجمًا مع اسم الكتاب حيث كان حقًا تأريخًا لبداية البشرية، وتأريخًا لنهايتها في آن واحد ومؤلَّف واحد.

[١ - المبتدأ وقصص الأنبياء]

ظهرت شخصية ابن كثير العلمية المتكاملة في هذا القسم من البداية والنهاية، وهو متبع غير مبتدع في هذه البداءة للعلماء المصنفين قبله؛ حيث يبدأون بالتأريخ لخلق الكون والسماوات والأرض، ثم ينتقلون لخلق آدم ومن جاء بعده من الرسل.

ومن المؤكد أن تصنيفه لكتابه "تفسير القرآن العظيم"، وإحالاته المتكررة له جعل الطريق ممهَّدًا إلى كتابة "المبتدأ وقصص الأنبياء"، كما جلَّى أبوابه وفصوله، ومعالمه الثقافية، ومستنداته الشرعية؛ متضافرة ومتكاملة.

فبدأ بقوله اللَّه تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٢].

ويقوله سبحانه: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الفرقان: ٥٩].

يُفسِّر القرآن بالقرآن، وبالأحاديث المأثورة، وبأقوال الصحابة، ويُحرِّم التفسير بالرأي المحض، ويصدر عن أشهر كتب التفسير المتقدمة والمطوَّلة بتأويلات موثقة وناضجة، ويَرِدُ دواوين المحدِّثين، ويدرس الأسانيد، ويُميِّز الصحيح والحسن من الأحاديث عن الضعيف والموضوع. ويكشف عن الإسرائيليات، ويقسمها إلى ثلاثة أقسام: ما يوافق الكتاب والسنة؛ فلا حاجة له، وما يُعارض الكتاب والسنة فهو مردود، وما لا يُصدقه الكتاب والسنة ولا يكذبه فتجوز روايته للاعتبار. ويتوقف مليًا مع كل حكم فقهي، حتى ينسى في بعض الأحيان أنه مؤرخ لا فقيه. وهو في كل ذلك حاضر بذهنه الوقّاد، وثقافته الشاملة، ينقد ويردُّ ويُرجح وينتقي، ويُقارن الثابت في القرآن الكريم مع ما ورد في الكتب السماوية، ويوضح ما طرأ على هذه الكتب من تغيير وتبديل، ويستهجن من أهل الكتاب العصبية للباطل، والتمسُّك به مع ظهور فساده وضلاله.

ويُلخِّص الحافظ ابن كثير هذا القسم في مقدمة "البداية والنهاية" (١) فيقول: "فهذا كتابٌ أذكر فيه -بعون اللَّه وحسن توفيقه- ما يسَّره اللَّه تعالى بحوله وقوته من مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي، والسماوات والأرض وما فيهنَّ، وما بينهنَّ من الملائكة والجانّ والشياطين، وكيفية


(١) انظر البداية والنهاية (٢/ ١٣٢ - ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>