وقد تكلَّمنا على الحروف المقطعة في أول تفسير سورة البقرة، فمن أراد تحقيقه فلينظرْه ثَمَّ، وتكلَّمنا على هذه السورة مستقصىً في موضعها من التفسير، ونحن نذكرُ هاهنا نبذًا مما هناك على وجه الإيجاز والنجاز.
وجملةُ القول في هذا المقام: أنه تعالى يمدحُ كتابه العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم بلسانٍ عربيٍّ فصيح بيِّنٍ واضح جليّ، يفهمُه كلُّ عاقل ذكي زكي، فهو أشرف كتابٍ نزلَ من السماء، أنزلَه أشرف الملائكة على أشرفِ الخلق في أشرف زمان ومكان، بأفصح لغة وأظهر بيان، فإن كان السياق في الأخبار الماضية أو الآتية: ذكرَ أحسنها وأبينها، وأظهرَ الحق مما اختلف الناس فيه، ودمغَ الباطلَ وزيَّفه وردَّه، وإن كان في الأوامر والنواهي: فأعدلُ الشرائع وأوضحُ المناهج، وأبْيَنُ حكمًا وأعدلُ حكمًا، فهو كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥]. يعني صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي. ولهذا قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف: ٣] أي بالنسبة إلى ما أوحي إليك فيه، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٢، ٥٣].
يعني: منْ أعرضَ عن هذا القرآن واتَّبعَ غيرَه من الكتب فإنه ينالُه هذا الوعيد، كما قال في الحديث المروي في المسند والترمذي: عن أمير المؤمنين عليٍّ مرفوعًا وموقوفًا: "من ابتغى الهدى في غيره أضلَّه اللهُ"(١).
(١) أخرجه أحمد (١/ ٩١) والترمذي (٢٩٠٦) في فضائل القرآن، وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال. فهو ضعيف في المرفوع، وبعضهم وقفه على علي ﵁.