للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصة جمل جابرٍ في هذه الغزوة

قال محمد بن إسحاق (١): حدّثني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد اللَّه قال: خرجت مع رسول اللَّه إلى غزوة ذات الرّقاع من نخل، على جملٍ لي ضعيفٍ، فلمّا قفل رسول اللَّه جعلت الرّفاق تمضي، وجعلت أتخلّف حتى أدركني رسول اللَّه فقال: "ما لك يا جابر؟ " قلت: يا رسول اللَّه، أبطأ بي جملي هذا. قال: "أنخه". قال: فأنخته وأناخ رسول اللَّه ثم قال: "أعطني هذه العصا من يدك". أو: "اقطع عصًا من شجرةٍ". ففعل فأخذها رسول اللَّه فَنَخَسَهُ بها نَخَسَاتٍ، ثم قال: اركب، فركبتُ، فخرج والذي بعثه بالحق يواهق ناقته مواهقةً فقال لي: "أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ " قال: قلت: بل أهبه لك. قال: "لا، ولكن بعنيه".

قال: قلت: فسُمنيه. قال: "قد أخذتُه بدرهمٍ". قال: قلت: لا، إذًا تغبنني يا رسول اللَّه. قال: "فبدرهمين". قال: قلت: لا. قال: فلم يزل يرفع لي رسول اللَّه ، حتى بلغ الأوقيّة. قال: فقلت: أفَقد رضيت يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم". قلت: فهو لك. قال: "قد أخذته". ثم قال: "يا جابر، هل تزوّجت بعد؟ " قال: قلت: نعم يا رسول اللَّه. قال: "أثيّبا أم بكرًا؟ " قال: قلت: بل ثيّبا. قال: "أفلا جاريةً تلاعبها وتلاعبك؟ ". قال: قلت: يا رسول اللَّه، إن أبي أُصيب يوم أحدٍ، وترك بناتٍ له سبعًا، فنكحت امرأةً جامعة، تجمع رؤوسهن، فتقوم عليهن. قال: "أصبت إن شاء اللَّه، أما إنا لو قد جئنا صرارًا، أمرنا بجزورٍ فنحرت فأقمنا عليها يومنا ذلك، وسمعتْ بنا فنفضت نمارقها".

قال: فقلت: واللَّه يا رسول اللَّه، ما لنا من نمارق. قال: "إنّها ستكون، فإذا أنت قدمت فاعمل عملًا كيِّسًا". قال: فلمّا جئنا صرارًا أمر رسول اللَّه بجزورٍ فنحرت، فأقمنا عليها ذلك اليوم، فلمّا أمسى رسول اللَّه دخل ودخلنا. قال: فحدّثتُ المرأة الحديث، وما قال لي رسول اللَّه . قالت: فدونك، فسمعٌ وطاعةٌ. فلمّا أصبحت أخذت برأس الجمل، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول اللَّه ، ثم جلست في المسجد قريبًا منه. قال: وخرج رسول اللَّه ، فرأى الجمل فقال: "ما هذا؟ ". قالوا: يا رسول اللَّه، هذا جملٌ جاء به جابرٌ. قال: "فأين جابرٌ؟ ". فدعيت له. قال: فقال: "يابن أخي، خذ برأس جملك، فهو لك". قال: ودعا بلالًا فقال: "اذهب بجابرٍ فأعطه أُوقيّة". قال: فذهبت معه، فأعطاني أوقيةً، وزادني شيئًا يسيرًا. قال: فواللَّه ما زال ينمي عندي ويرى مكانه من بيتنا، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا. يعني يوم الحرّة. وقد أخرجه صاحبا


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٠٦).