للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستأنسَ القائلون بهذا القول، وهو أخذُ الميثاق على الذريَّة، وهم الجمهور، بما قال الإمام أحمد (١): حدَّثنا حجَّاج، حدَّثني شعبةُ، عن أبي عمران الجَوْني، عن أنس بن مالك، عن النبيِّ قال: "يُقالُ للرجل من أهل النَّار يومَ القيامة: لو كان لك ما على الأرضِ من شيءٍ أكنتَ مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم. فيقولُ: قد أردتُ منكَ ما هو أهونُ من ذلك، قد أخذتُ عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئًا، فأبيتَ إلا أن تُشركَ بي".

أخرجاه من حديث شعبة (٢)، به.

وقال أبو جعفر الرازيّ: عن الربيع (٣) بن أنس، عن أبي (٤) العالية، عن أُبيِّ بن كَعْب، في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآية والتي بعدها. قال: فجمَعهم له يومئذٍ جميعًا ما هو كائنٌ منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صوَّرَهم، ثم استنطقَهم، فتكلَّمُوا، وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهد عليهم أنفسهم: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآية. قال: فإنِّي أشهدُ عليكم السماواتِ السبع والأرضين السبع، وأُشهد عليكم أباكم ألا تقولوا يومَ القيامة: لم نعلمْ بهذا، اعلموا أنه لا إلهَ غيري، ولا ربَّ غيري، ولا تشركوا بي شيئًا، وإنِّي سأرسلُ إليكم رسلًا يُنذرونَكم عَهْدي وميثاقي، وأُنزلُ عليكم كتابي. قالوا: نشهدُ أنَّكَ ربُّنا وإلهنا، لا ربَّ لنا غيركَ، ولا إلَه لنا غيرك، فأقروا له يومئذٍ بالطَّاعة. ورفعَ أباهم آدم فنظرَ إليهم، فرأى فيهم: الغنيَّ والفقيرَ، وحَسَنَ الصورة ودون ذلك. فقال: يا ربِّ لو سوَّيتَ بين عبادكَ؟ فقال: إنِّي أحببتُ أن أشكرَ. ورأى فيهم الأنبياء مثل السُّرُج، عليهم النُّور، وخُضُّوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول اللَّه تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: ٧]. وهو الذي يقول: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] وفي ذلك قال: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ [النجم: ٥٦] وفي ذلك قال: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٢] ". رواه الأئمة: عبد اللَّه بن أحمد، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، في تفاسيرهم، من طريق أبي جعفر (٥).

ورُوي: عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبير، والحسن البَصْري، وقتادة، والسُّدِّي، وغير


(١) في مسنده (٣/ ١٢٧، ١٢٩).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٣٣٤) في الأنبياء، ومسلم (٢٨٠٥) في صفات المنافقين.
(٣) في "ب" والمطبوع: عن أبي الربيع عن أنس.
(٤) في "ب" والمطبوع: العالية.
(٥) أي من طريق الرازي، وقد أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (٩/ ١١٥) وذكره ابن كثير في التفسير (٢/ ٣٣١). والسيوطي في الدر المنثور (٣/ ٦٠٠).