للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن الخليل رجعَ من بلاد مصر إلى أرض التَّيمُّن، وهي الأرض المقدسة، التي كان فيها، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل، وصحبتهم هاجرُ القبطية المصرية.

ثمَّ إنَّ لوطًا نزحَ بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور، المعروف بغور زغر (١)، فنزل بمدينة سدوم (٢)، وهي تلك البلاد في ذلك الزمان، وكان أهلها أشرارًا كفَّارًا فخارًا، وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل فأمره أن يمدَّ بصرَه وينظرَ شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وبشَّره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر، وسأكثر ذُريَّتكَ حتَّى يَصيروا بعدد تُراب الأرض.

وهذه البشارة اتَّصلتْ بهذه الأمة، بل ما كملتْ ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمَّدية، يُؤِّيد ذلك قولُ رسول اللّه : "إن اللّه زوى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها، وسيبلغُ ملكُ أُمَّتي ما زوي لي منها" (٣).

قالوا: ثمَّ إنَّ طائفة من الجبَّارين تسلَّطوا على لوط فأسروه، وأخذوا أموالَه، واستاقوا أنعامه، فلما بلغَ الخبرُ إبراهيمَ الخليل، سارَ إليهم في ثلاثمئة وثمانية عشر رجلًا، فاستنقذ لوطًا ، واسترجعَ أموالَه، وقتل من أعداء اللّه ورسوله خلقًا كثيرًا، وهزمَهم، وساقَ في آثارِهم حتى وصلَ إلى شرقيّ دمشق، وعسكرَ بظاهرها عند برزه (٤)، وأظنُّ مقام إبراهيم إنما سُمِّي، لأنه كان موقفَ جيش الخليل، والله أعلم.

ثم رجعَ مؤيَّدًا منصورًا إلى بلاده، وتلفاه ملوكُ بلاد بيت المقدس مُعظِّمين له، مُكرِّمين، خاضعين، واستقرَّ (٥) ببلاده، صلوات اللّه وسلامه عليه.

* * *


(١) في هامش أ: صغر.
(٢) "سدوم": مدينة من مدائن قوم لوط.
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢٧٨ و ٢٨٤) ومسلم (٢٨٨٩) في الفتن وأشراط الساعة، والترمذي (٢١٧٦) في الفتن، وابن ماجة (٣٩٥٢) في الفتن، من حديث ثوبان، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(٤) "برزة": قرية من غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي من المدينة، وقد اتصل بناء المدينة بها.
(٥) كذا في ب، وفي أ: استر، وهو تصحيف.