للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأُقِرَّنَّ عينَك في أمَّتِكَ، ثُمَّ تَقفُ المَلائكةُ بَيْنَ يَدي اللهِ ﷿ يَنْتظرُونَ ما يُؤمَرُونَ به، فيقول لهم الربُّ تعالى وتَقَدَّسَ: معاشر الزبانية انطلقوا بالمصرِّين على الكَبَائر منْ أُمَّةِ مُحمَّدٍ إلى النَّارِ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضبي عَليهمْ بتَهاونِهِمْ بأمْري في دَارِ الدُّنيا، واسْتِخْفَافِهمْ بِحَقِّي، وانْتِهاكِهِم حُرْمتي، يَسْتَخفونَ منَ النَّاسِ وَيُبَارزُوني بالمعاصي مَعَ كَرامتي لهم، وتَفْضيلي إيَّاهُمْ على الأُمَمِ، ولَمْ يَعْرفُوا فَضْلي، وعِظَمَ نِعْمتي، فَعِنْد ذلك تأخُذُ الزَّبَانية بلِحى الرِّجَالِ، وذَوائبِ النِّساء، فينْطَلقُون بهم إلى النَّار، وما منْ عَبْدٍ يُساقُ إلى النَّارِ منْ غَيْرِ هَذِهِ الأمَّةِ إلَّا مُسْودًّا وَجْهُهُ، وقَدْ وُضِعَتِ الأنْكالُ (١) في قَدَمَيهِ، والأغْلالُ في عُنُقه إلَّا ما كانَ من أهل النار مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ، فإنَّهُمْ يُساقُونَ إلى النار بِألْوَانِهِمْ، فإذا وَرَدوا على مَالِكٍ قال لهم: معَاشِرَ الأشْقِيَاءِ، مِنْ أيِّ أمَّةٍ أنتُم؟ فمَا وَرَدَ عَلى أحْسَنُ وجُوهًا مِنْكُم، فيقُولُون: يا مَالِكُ، نَحْنُ منْ أُمَّةِ القُرْآنِ، فيقولُ لَهُمْ: معَاشرَ الأشْقياء أو لَيْسَ القُرآنُ أُنْزلَ عَلى محمَّد ؟ قال: فَيَرْفَعُونَ أصْوَاتَهُمْ بالنَّحيب، والبُكاء: وامُحمَّدَاه، يا مُحمَّدُ اشْفَعْ لِمَنْ آمن بك ممن أُمرَ بهِ إلى النَّارِ مِنْ أُمَّتِكَ، قال: فَيُنادى مالك بتهدُّدٍ، وانْتهارٍ: يا مَالِكُ، منْ أمَرَكَ بمعاتبة الأشْقِيَاء، وَمُحادَثَتهمْ، والتَّوَقُّفِ عنْ إدْخالِهمِ العذاب؟ يا مَالِكُ، لا تُسودْ وُجُوههمْ، فقد كانوا يَسْجُدُونَ لي بها في دار الدنيا، يا مالكُ لا تَغُلَّهُم بالأغْلالِ، فقدْ كانُوا يَغْتسلُونَ منَ الْجَنابةِ، يا مَالِكُ، لا تُقيِّدْهُمْ بالأنْكالِ، فقدْ طافُوا حَوْلَ بَيْتيَ الحَرَامِ، يا مالِك لا تُلْبسهُم القَطِرَانَ، فقد خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ لِلإحْرَامِ، يا مَالِكُ، [مُرِ النار لا تحرق ألسنتهم، فقد كانوا يقرؤون القرآن، يا مالك] قُلْ للنارِ تَأْخُذْهُمْ على قدْرِ أعْمَالِهِمْ، فَالنَّارُ أعْرَفُ بهمْ وبمقاديرِ اسْتِحْقَاقهمْ من العذاب منَ الوَالِدَة بوَلَدِها، فمِنْهُمْ منْ تَأخذُهُ النَّارُ إلى كَعْبَيْهِ، ومنْهُمْ منْ تأخذُهُ النَّارُ إلى رُكْبَتيْهِ، ومِنْهُمْ من تأخُذُهُ النَارُ إلى سُرَّتهِ، ومنْهُمْ منْ تأخذُهُ النَّارُ إلى صَدْرِهِ، قال: فإذا انْتَقَم اللهُ منْهُمْ على قَدْرِ كَبائرِهِمْ وعُتُوِّهمْ وإصْرَارِهم، فتح بينهم وبين المشركين بابًا وهم في الطَّبَقِ الأعْلَى من النار، لا يذوقُونَ بَرْدًا ولا شَرابًا، يبكون، ويقولون: يا مُحمَّداهُ، ارحم من أُمَّتك الأشْقياءَ، واشْفَعْ لَهُمْ، فقد أكلت النارُ لُحُومَهُمْ، وعِظامهمْ وَدِماءهم، ثم ينادُون: يا رَبّاه، يا سيّداه، ارحم من لم يُشركْ بك شيئًا في دار الدُّنيا، وإن كان قد أساء وأخْطأ، وتَعذَى، فعِنْدها يقولُ المُشْركُون لهم: ما أغنى عَنْكُمْ إيمانُكُمْ باللهِ، وبمحمّد، فيَغْضبُ اللهُ لذلكَ، فيقول: يا جبريلُ، انْطَلِقْ، فَأخْرِجْ منْ في النَّارِ منْ أُمَّةِ محمَّد ، فيُخْرجُهُم ضَبائرَ (٢)، قد امْتَحشُوا (٣)، فيُلْقيهمْ على نَهْرٍ على بابِ الْجَنَّةِ، يُقالُ لَهُ: نَهْرُ الحياة، فيَمْكُثونَ حتَّى يَعُودُوا أنْضَر ما كانوا، ثمَّ يأمرُ الله ﷿ بإدخالهم الْجنَّةَ، مكتوبٌ على جِباهِهِمْ: هَؤُلاءِ الْجَهنَّميُّونَ، عُتَقاءُ


(١) الأنكال: جمع نِكل، وهو القيد.
(٢) ضبائر: جماعة في تفرق.
(٣) أي: احترقوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>