إلى رسول الله ﷺ. فقال لها: فأْمري أحد ابنيك. فقالت: إنَّهما صبيَّان، وليس مثلهما يجير. قال: فكلِّمي عليًّا.
فقالت: أنت فكلِّمه. فكلَّم عليًّا، فقال له: يا أبا سفيان، إنَّه ليس أحدٌ من أصحاب رسول الله ﷺ يفتات على رسول الله ﷺ بجوار، وأنت سيد قريش وأكبرها وأمنعها، فأجِر بين عشيرتك. قال: صدقت، وأنا كذلك، فخرج فصاح: ألا إنِّي قد أجرت بين الناس، ولا والله ما أظنُّ أن يُخفرني أحدٌ. ثم دخل على النبيِّ ﷺ فقال: يا محمد، إني قد أجرت بين الناس، ولا والله ما أظنُّ أن يُخفرني أحدٌ ولا يردَّ جواري. فقال:"أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة؟! " فخرج أبو سفيان على ذلك، فزعموا - والله أعلم - أن رسول الله ﷺ قال حين أدبر أبو سفيان:"اللهمَّ خذ على أسماعهم وأبصارهم، فلا يرونا إلا بغتةً، ولا يسمعوا بنا إلا فجأة". وقدم أبو سفيان مكة، فقالت له قريش: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد أو عهد؟ قال: لا والله، لقد أبى عليَّ، وقد تتبعت أصحابه، فما رأيت قومًا لملك عليهم أطوع منهم له، غير أنَّ عليَّ بن أبي طالب قد قال لي: لم تلتمس جوار الناس على محمد، ولا تجير أنت عليه وعلى قومك، وأنت سيد قريش وأكبرها وأحقُّها أن لا يُخفر جواره؟ فقمت بالجوار، ثم دخلت على محمد، فذكرت له أنَّي قد أجرت بين الناس، وقلت: ما أظنُّ أن تُخفرني. فقال:"أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة؟! " فقالوا مجيبين له: رضيت بغير رضا، وجئتنا بما لا يغني عنَّا ولا عنك شيئًا، وإنما لعب بك عليٌّ، لعمر الله ما جوارك بجائز، وإنَّ إخفارك عليهم لهيِّنٌ. ثم دخل على امرأته فحدَّثها الحديث فقالت: قبحك الله من وافد قوم، فما جئت بخير. قال: ورأى رسولُ الله ﷺ سحابًا فقال: "إنَّ هذه السحاب لتبِضُّ بنصر بني كعب". فمكث رسول الله ﷺ ما شاء الله أن يمكث بعدما خرج أبو سفيان، ثم أخذ في الجَهاز، وأمر عائشة أن تجهّزه وتخفي ذلك، ثم خرج رسول الله ﷺ إلى المسجد أو إلى بعض حاجاته، فدخل أبو بكر على عائشة، فوجد عندها حنطة تُنسف وتُنقَّى، فقال لها: يا بنيَّة، لماذا تصنعين هذا الطعام؟ فسكتت، فقال: أيريد رسول الله ﷺ أن يغزو؟ فصمتت، فقال: يريد بني الأصفر؟ - وهم الرُّوم - فصمتت، قال: فلعله يريد أهل نجد؟ فصمتت، قال: فلعله يريد قريشًا؟ فصمتت. قال: فدخل رسول الله ﷺ، فقال له: يا رسول الله، أتريد أن تخرج مخرجًا؟ قال:"نعم". قال: فلعلك تريد بني الأصفر؟ قال:"لا". قال: أتريد أهل نجد؟ قال:"لا". قال: فلعلك تريد قريشًا؟ قال:"نعم". قال أبو بكر: يا رسول الله، أليس بينك وبينهم مدَّةٌ؟ قال:"ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب؟ " قال: وأذَّن رسول الله ﷺ في الناس بالغزو، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش، وأطلع الله رسوله ﷺ على الكتاب. وذكر القصة كما سيأتي.