للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرثهم (١) حرد ﴿فَلَمَّا رَأَوهَا﴾ أي: وصلوا إليها ونظروا ما حصل (٢) بها وما قد صارت إليه من الصفة المنكرة بعد تلك النضرة والحُسْن والبهجة، فانقلبت بسبب النية الفاسدة، فعند ذلك ﴿قَالُواْ إِنَّا لَضَاَلُّونَ﴾ أي: قد تهنا (٣) عنها وسلكنا غير طريقها. ثمّ قالوا: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أي: بل عوقبنا بسبب سوء قصدنا وحُرِمنا بركة حَرْثنا.

﴿قَالَ أَوسَطُهُم﴾، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هو أعدلهم وخيرهم (٤) ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ قيل: تستثنون، قاله مجاهد والسُّدِّي وابن جرير (٥). وقيل: تقولون خيراً بدل ما قلتم من الشر.

﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾، فندموا حيث لا ينفع (٦) واعترفوا بالذنب بعد العقوبة وذلك حيث لا ينجع.

وقد قيل: إن هؤلاء كانوا إخوةً وقد ورثوا هذه الجنة من أبيهم وكان يتصدّق منها كثيراً، فلما صار أمرها إليهم استهجنوا أمر أبيهم وأرادوا استغلالها من غير أن يعطوا الفقراء شيئاً، فعاقبهم الله أشد (٧) العقوبة، ولهذا أمر الله تعالى بالصدقة من الثمار وحَثَّ على ذلك يوم الجذاذ كما قال تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، ثمّ قيل: كانوا من أهل اليمن من قرية يقال لها: ضَرَوَان (٨). وقيل: من أهل الحبشة. والله أعلم (٩).

قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ أي: هكذا نعذّب من خالف أمرنا ولم يعطف على المحاويج من خلقنا ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ أي أعظم وأحكم من عذاب الدنيا ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

وقصة هؤلاء شبيه بقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [النحل: ١١٢ - ١١٣] قيل: هذا مثل مضروب لأهل مكة، وقيل (١٠): هم أهل مكة أنفسهم ضربهم مثلاً لأنفسهم ولا ينافي ذلك. والله أعلم.


(١) في تفسير ابن كثير: (٤/ ٤٠٦): اسم قريتهم حرد.
(٢) في ب: ونظروا إلى ما .. ، وفي ط: ما حل.
(٣) في ط: نهينا.
(٤) تفسير الطبري (٢٩/ ٢٢).
(٥) المصدر السابق.
(٦) زاد في ط: الندم.
(٧) في ب: هذه العقوبة.
(٨) ضروان: بليدة قرب صنعاء. (معجم البلدان).
(٩) انظر تفسير الطبري (٢٩/ ١٩)، وتفسير النيسابوري على حاشيته، وتفسير المؤلف (٤/ ٤٠٦).
(١٠) زاد في ب: أنفسهم.