للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ أبو بكر البَيْهَقِيّ في "البعث والنشور": أنا أبو الحسن محمد بن الحُسَيْن بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا عبد اللَّه بن محمد الآمُلِيُّ، حدَّثنا محمد بن عمران، حدّثني أبي، حدّثني ابنُ أبي ليلى، عن إسماعيل بن رجاء، عن سعد بن إياس، عن عبد اللَّه بن مسعود: أنّه قال ذات يوم لجلسائه: أرأيْتم قول اللَّه تعالى: ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] ماذا يَعني بها؟ قالوا: اللَّه ورسولُه أعلم، قال: إنها إذا غَرَبت سَجَدتْ له، وَسبَّحتْه، وعظمته، ثم كانت تحت العرش، فإذا حضر طلوعها سجدت له، وسبَّحته، وعظَّمته، ثم استأذنته، فيؤذن لها، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه سجدت له وسبَّحته وعظَّمته ثم استأذنته، فيقال لها: اثْبُتي، فإذا حضر طلوعها سجدت له، وسبَّحته وعظَّمته، ثم استأذنته فيقال لها: اثبتي فَتُحْبَس مقدار ليلَتَيْنِ. قال: ويَفْزَعُ المتهجِّدون، وينادي الرجلُ تلك الليلةَ جَارَه: يا فلان، ما شَأْنُنَا الليلةَ؟ لقَدْ نِمتُ حَتَّى شَبِعْتُ وصَلَّيْتُ حَتى أعيَيْتُ، ثم يقال لها: اطلُعي من حيث غَرَبْتِ، فذلك يوم ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨] (١).

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا الحَكَم بنُ نافع، حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن ضمضم بن زرعة، عن شُريْح بن عُبَيْد، يَرُدُّه إلى مالك بن يُخَامِر، عن ابن السعديّ: أنّ رسول اللَّه قال: "لا تنقطع الهِجْرَةُ ما دام العدُو يقاتل"، فقال معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص: إن رسول اللَّه قال: "إن الهجرة خَصْلَتان: إحداهما أنْ تَهْجُرَ السّيئات، والأخرى أن تُهاجر إلى اللَّه ورسوله، ولا تنْقَطعُ [الهجرة] ما تُقُبِّلَتِ التَّوْبةُ، ولا تزال التوبةُ مَقْبُولة حتى تَطلُع الشمسُ من المَغْرِبِ، فإذا طلعت طُبعَ على كل قلب بمَا فيه، وكُفِيَ الناسُ العَمَلَ" وهذا إسناد جَيد قويّ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب (٢).

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه، من طريق عاصم بن أبي النجودِ، عن زِرّ بن حُبَيْشٍ، عن صَفوانَ بن عَسَّال: سَمِعْتُ رسول اللَّه يقول: "إن اللَّه فتح بابًا قِبَل المَغْرب عرْضه سَبْعونَ" -أو قال: "أرْبعون- عامًا للتوبة، لا يُغَلقُ حَتى تَطلُع الشمسُ منه" (٣).

فهذه الأحاديثُ المتواترة، مع الآية الكريمة: دليل على أنّ مَنْ أحدث إيمانًا، أو تَوْبة بعد طلُوع الشمس من مَغْربها لا تُقْبَلُ مِنْهُ، وإنما كان كذلك واللَّه أعلم، لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة، وعلاماتِها


(١) في إسناده ضعف وما بين الحاصرتين تكملة منه.
(٢) رواه أحمد في المسند (١/ ١٩٢).
(٣) رواه أحمد في المسند (٤/ ٢٤٠) والترمذي رقم (٣٥٣٥) والنسائي في "الكبرى" (١١١٧٨) وابن ماجه (٤٠٧٠) وهو حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>