للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلام، وقد كانت محل الملك، وأخذوا منها من الرقيق: من الصبيان والبنات ما لا يحصى كثرة] (١).

وفي هذه السنة: عملت الروافض بالكرخ بدعتهم الشنعاء [وحادثتهم الصلعاء] (٢) في يوم عاشوراء من تعليق المسوح (٣)، وتغليق الأسواق، والنواح والبكاء في الأزقة والأرجاء، فأقبل أهل السُنة إليهم في الحديد، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فقُتِلَ من الفريقين طوائف كثيرة، وجرت بينهم فتن كبيرة [وشرور مستطيرة].

وفي هذه السنة: مرض أمير المؤمنين القادر باللَّه، وعهد بولاية العهد من بعده إلى ولده أبي جعفر القائم بأمر اللَّه، بمحضر من القضاة والوزراء والكبراء، وخطب له بذلك على المنابر، وضرب اسمه على السكة المتعامل بها.

وفيها: أقبل ملك الروم من قسطنطينية في ثلاثمئة ألف مقاتل، فسار حتى بلغ بلاد حلب وعليها شِبْلُ الدولة نصر بن صالح بن مِرْداس، فنزلوا على [مسيرة] يوم منها، ومن عزم ملك الروم قبّحه اللَّه، أن يستحوذ على بلاد الشام بكمالها، وأن يستردّها إلى ما كانت عليه في أيْديهم قبل الإسلام، وقد قال رسول اللَّه : " [إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده و] إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده" (٤)، وقيصر هو من ملك الشام مع بلاد الروم، فلا سبيل لملك الروم إلى هذا الرَّوْم الذي أراده هذا المذموم، فلما حصل بجيشه قريبًا من حلب كما ذكر، أرسل اللَّه عليهم عطشًا شديدًا، وخالف بين كلمتهم، وذلك أنه كان معه الدمستق، فعامل طائفة من الجيش على قتله ليستقل بالأمر من بعده، ففهم ذلك ملك الروم، فكرّ من فوره راجعًا [﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾] [الأحزاب: ٢٥] ولمّا كروا راجعين إلى بلادهم اتبعهم الأعراب ينهبونهم ليلًا ونهارًا، وكان في جملة ما أخذوا أربعمئة بغلٍ محملةٍ مالًا وثيابًا للملك، وهلك أكثر الروم جوعًا وعطشًا ونهبتهم الأعراب من كلِّ جانب.

وفيها: ملك جلال الدولة واسطًا، واستناب ولده عليها، وبعث وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح والبصرة، ففتح البطائح، وسار في الماء إلى البصرة، وعليها نائب لأبي كاليجار، فهزمهم البصريون، فسار إليهم جلال الدين والدولة بنفسه، فدخلها في شعبان هذه السّنة، ودقت البشائر فرحًا ببغداد.


(١) الخبر في الكامل في التاريخ (٩/ ٣٩٥ - ٣٩٦).
(٢) الصلعاء: الداهية الشديدة والشنيعة.
(٣) المسوح: جمع مسح، وهو الكساء من الشعر.
(٤) الحديث أخرجه البخاري (٣٦١٨) في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم (٧٥/ ٢٩١٨) في الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>