للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حارثة (١) بن النُّعمان، وقد وفدت إلى الأحنف أمدادٌ من أهل الكوفة مع أربعة أمراء، فلمّا بلغ مسيره إلى يزدجرد (ترحل إلى بلخ، فالتقى معه ببلخ يزدجرد) فهزمه الله ﷿ وهرب هو ومنْ بقي معه من جيشه فعبر النهر واستوثق ملكَ خراسان على يدي الأحنف قيس، واستخلف في كل بلدة أميرًا، ورجع الأحنف فنزل مرو الروذ، وكتب إلى عمر بما فتح الله عليه من بلاد خراسات. بكمالها. فقال عمر: وددتُ أنّه كان بيننا وبين خراسان بحرٌ من نارٌ. فقال له علي: ولم يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنّ أهلها سينقضون عهدهم ثلاث مرات فيُجتاحون في الثالثة، فقال: يا أمير المؤمنين (لأن يكون ذلك بأهلها، أحب إليّ من) أن يكون ذلك بالمسلمين، وكتب عمر إلى الأحنف ينهاه عن العبور (٢) إدى ما وراء النهر وقال: احفظ ما بيدك من بلاد خراسان. ولمّا وصل رسول يزدجرد إلى اللذين استنجد بهما لم يحتفلا بأمره، فلمّا عبر يزدجرد النهر ودخل في بلادهما تعيّن عليهما إنجاده في شرع الملوك، فسار معه خاقانُ الأعظمُ ملكُ الترك، ورجع يزدجرد بجنود عظيمة فيهم ملكُ التتار خاقان، فوصل إلى بلخ واسترجعها (٣)، وفرَّ عمالُ الأحنف إليه (إلى مرو الروذ، وخرج المشركون من بلخ حتى نزلوا على الأحنف) بمرو الروذ، فتبرّز (٤) الأحنف بمنْ معه من أهل البصرة وأهل الكوفة والجميع عشرون ألفًا فسمع رجالًا يقول لآخر: إن كان الأمير ذا رأي فإنّه يقف دون هذا الجبل فيجعله وراء ظهره ويبقى هذا النهر خندقًا حوله فلا يأتيه العدو إلا من جهة واحدة. فلما أصبح الأحنف أمرَ المسلمين فوقفوا في ذلك الموقف بعينه، وكان أمارةَ النصر والرّشد، وجاءت الأتراك والفرس في جمع عظيم هائل مزعج، فقام الأحنفُ في الناس خطيبًا فقال: إنكم قليلٌ وعدُّوكم كثيرٌ، فلا يُهولَنَّكمْ، ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فكانتِ التركُ يُقاتلون بالنهار ولا يدري الأحنف أين يذهبون في الليل. فسار ليلة مع طليعة من أصحابه نحو جيش خاقان، فلمّا كان قريبَ الصُّبح خرج فارسٌ من الترك طليعة وعليه طوق وضرب بطبله فتقدم إليه الأحنف، فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنفُ فقتله وهو يرتجز (٥): [من الرجز]

إنَّ عَلَى كُلِّ رَئيسٍ حَقًّا … أنْ يَخْضِبَ الصَّعْدَة أو تَنْدَقًّا (٦)

إنّ لها شَيْخًا بها مُلَقى … سَيْف (٧) أبي حَفْصِ الَّذي تَبَقَّى


(١) في تاريخ الطبري (٤/ ١٦٧): حاتم بن النعمان الباهلي. وما هنا موافق للكامل لابن الأثير (٣/ ٣٤).
(٢) في أ: الغزوة.
(٣) في أ- فاسترجعها.
(٤) في أ: فينزل.
(٥) البيان في تاريخ الطبري (٤/ ١٦٩).
(٦) في أ، ط: يندقاه. وما هنا عن تاريخ الطبري.
(٧) في أ، ط: بسيف. وما هنا عن تاريخ الطبري.