للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٧١] مكة، ألم تسمع إلى قوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦]. وزعم (١) كعبُ الأحبار أنها حرَّان.

وقد قدَّمنا عن نقل أهل الكتاب: أنَّه خرجَ من أرض بابلَ، هو وأبوه وابن أخيه لوط، وأخوه ناحور، وامرأة إبراهيم سارَة، وامرأة أخيه ملكا، فنزلوا حرَّان، فمات تارخُ أبو إبراهيمَ بها.

وقال السُّدِّي (٢): انطلقَ إبراهيم ولوط قِبَلَ الشَّام فلقِيَ إبراهيمُ سارَةَ - وهي ابنة مَلِكِ حرَّان - وقد طعنت على قومِها في دينهم (٣)، فتزوَّجها على ألَّا يُغَيِّرَها (٤). رواه ابن جرير وهو غريب.

والمشهورُ أنها ابنة عمِّه هاران، الذي تُنسب إليه حرَّان، ومنْ زعمَ أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط، كما حكاه السُّهيلي عن القُتَيبيِّ وَالنَّقَّاش، فقد أبعدَ النُّجْعَة، وقال بلا علم؛ وادَّعى أن تزويجَ بنت الأخ كان إذ ذاك مشروعًا، فليس له على ذلك دليل. ولو فُرِضَ أن هذا كان مشروعًا في وقتٍ كما هو منقولٌ عن الربَّانييِّن من اليهود، فإن الأنبياءَ لا تتعاطاه، واللّه أعلم.

ثم المشهورُ أنَّ إبراهيمَ لمَّا هاجرَ من بابلَ خرجَ بسارَةَ مهاجرًا من بلاده كما تقدَّم، واللّه أعلم.

وذكرَ أهلُ الكتاب أنَّه لما قدمَ الشام أوحى الله إليه: إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيمُ مذبحًا للّه، شكرًا على هذه النعمة، وضربَ قبَّته شرقي بيت المقدس، ثم انطلقَ مُرتحلًا إلى التيمُّن، وأنه كان جوعٌ، أي: قَحْطٌ وشِدَّةٌ وغَلاء، فارتحلَ إلى مصرَ، وذكروا قصَّة سارَة مع ملكها، وأن إبراهيمَ قال لها قولي: أنا أُختُه، وذكروا إخدامَ الملك إياها هاجرَ، ثم أخرجهم منها، فرجعوا إلى بلاد التَّيمن - يعني أرض بيت المقدس وما والاها - ومعه دوابُّ وعبيدٌ وأموال.

وقد قال البخاري: حَدَّثَنَا محمد بن محبوب، حَدَّثَنَا حمَّاد بن زيدٍ، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرةَ قال: لم يكذبْ إبراهيمُ إلا ثلاثَ كَذبات: ثنتان منهنَّ في ذاتِ اللّه، قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩]، وقوله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣] وقال: بينا هو ذات يومٍ وسارَةُ إذ أتى على جبَّار من الجبَابرة، فقيل له: هاهنا رجلٌ معه امرأةٌ من أحسن الناس، فأرسلَ إليه وسألَه عنها، فقال: منْ هذه؟ قال: أختي، فأتى سارَة، فقال: يا سارَةُ ليس على وجهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري


(١) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥/ ٦٤٣).
(٢) أخرجه ابن جرير في التفسير (٩/ ٤٥ - ٤٦).
(٣) كذا في ب. وفي أ: على قومها دينهم.
(٤) كذا في أ و ب وتفسير الطبري (٩/ ٤٦) وبهامشه: كذا في الأصل، وفي ابن كثير على أن يفرَّ بها. ومعنى: ألا يُغيِّرها: ألا يُطلِّقها، ولا يتزوج عليها غيرها إلا بإذنها.