للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيركِ، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُه أنَّك أُختي فلا تُكذِّبيني، فأرسلَ إليها، فلما دَخَلَتْ عليه ذهبَ يتناولُها بيده، فأخذ. فقال: ادعي اللّهَ لي ولا أضرُّك، فدعت اللّهَ فأُطلقَ، ثمَّ تناولَها الثانيةَ فأُخذَ مثلها أو أشدَّ، فقال: ادعي اللّه لي ولا أضرُّكِ فدعتْ فأطلق، فدعا بعضَ حَجَبَتِه، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسانٍ وإنما أتيتموني بشيطان، فأخدمَها هاجرَ، فأتته وهو قائمٌ يُصلِّي، فأومأ بيده: مَهْيم. فقالت: ردَّ اللّه كيدَ الكافر - أو الفاجر - في نَحْرِه، وأخدمَ هاجرَ. قال أبو هريرة: فتلكَ أمُّكم يا بني ما (١) السما (٢). تفرَّد به من هذا الوجه موقوفًا.

وقد رواه الحافظ أبو بكر البزَّار: عن عمرو بن علي الفَلّاس، عن عبد الوهاب الثقفي، عن هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إنَّ إبراهيمَ لم يكذبْ قطُّ إلا ثلاثَ كذبات، كلُّ ذلك في ذات اللّه، قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]، وبينما هو يسيرُ في أرضِ جبَّار من الجَبابرة، إذ نزلَ منزلًا، فأتي الجبَّارُ فقيل له: إنَّه قد نزلَ هاهنا رجلٌ معه امرأةٌ من أحسنِ النَّاس. فأرسلَ إليه، فسأله عنها، فقال: إنَّها أُختي. فلما رجعَ إليها، قال: إنَّ هذا سألني عنكِ، فقلتُ: إنَّك أختي، وإنه ليس اليومَ مسلمٌ غيري وغيرك، وإنك أختي فلا تُكذِّبيني عندَه، فانطلقَ بها، فلما ذهبَ يتناولها أُخذ، فقال: ادعي اللّه لي ولا أضرُّك فدعتْ له فأُرسل، فذهبَ يتناولُها فأُخذ مثلَها أو أشدَّ منها، فقال: ادعي اللّه لي ولا أضرُّك، فدعتْ فأُرسل، ثلاث مرات. فدعا أدنى حَشَمِه، فقال: إنك لم تأتني بإنسان ولكنْ أتيتني بشيطان، أخرجْها وأعطِها هاجرَ. فجاءتْ وإبراهيمُ قائمٌ يُصلِّي، فلمّا أحسنَ بها انصرفَ، فقال: مَهْيَم؟ فقالت: كفى اللّه كَيْدَ الظَّالمِ، وأخْدمني هاجرَ (٣).


(١) في هامش ب: قال الجلال السيوطي في "مختصر النهاية" يا بني ماء السماء: يُريد العربَ، لأنهم كانوا يتبعون قطرَ الماء، فينزلون حيث كان.
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٥٨) في الأنبياء. وقوله: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات" قال ابن عقيل: دلالة بالعقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم. وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به ليعلم صدق ما جاء به عن اللّه، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم يعني إطلاق الكذب على ذلك - إلا في حال شدة الخوف لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعًا لأعظمهما، وأما تسمية إياها كذبات، فلا يريد أنها تذم، فإن الكذب وإن قبيحًا مخلًا، لكنه قد يحسن في مواضع، وهذا منها. فتح الباري (٦/ ٣٩٢).
(٣) أخرجه ابن حبان في صحيحه وإسناده عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، عن رسول اللّه (٥٧٣٧) الإحسان وهو في مصنف عبد الرزاق (٢٠١٩٥) ومن طريقه أخرجه أحمد (٦/ ١٥٢) وأبو داود (٢٢١٢) في الطلاق، والنسائي في فضائل الصحابة (٢٩٦)، والبيهقي (١٠/ ١٩٦) في السنن الكبرى.