للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موضعه. واختلفوا: هل كان قبل (١) السموات والأرض شيء مخلوق قبلهما؟ فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنَّه لم يكن قبلهما شيء وأنهما خلقتا (٢) من العدم المحض.

وقال آخرون: بل كان قبل السموات والأرض مخلوقات أُخَر، لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] الآية.

وفي حديث عمران بن حُصَيْنٍ -كما سيأتي-: "كان اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيءٌ قَبْلهُ وكَانَ عَرْشُهُ على الماءِ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءً، ثُمَّ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأرْضَ" (٣).

وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا بهْزٌ، حدثنا حمَّاد بن سلمة، حدَّثنا يَعْلَى بن عَطَاء، عن وكيع بن حُدُس (٥)، عن عمه أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي، أنه قال: يا رَسُولَ اللَّهِ أيْنَ كَانَ رَبُّنا قَبْلَ أنْ يَخْلق السَّموات والأرْض؟ قال: "في عماءٍ ما فوْقَهُ هواءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الماء" (٦).

ورواه عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، ولفظه: "أيْنَ كَانَ رَبُّنا قَبْلَ أنْ يَخْلقَ خَلْقَهُ؟ " (٧)، وباقيه سواء.

وأخرجه الترمذى (٨) عن أحمد بن منيع، وابن ماجه (٩) عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة، ومحمد بن الصبَّاح، ثلاثتهم عن يزيد بن هارون، وقال الترمذي: حسنٌ (١٠).

واختلف هؤلاء في أيها خُلِق أولًا؟ فقال قائلون: خلق القلم قبل هذه الأشياء كلها، وهذا هو اختيار


(١) في المطبوع: قبل خلق. . . وكُتب في "أ": خلق، ثمّ شطب عليها، وهي ليست في (ب).
(٢) في ب: خلقهما.
(٣) سيرد تخريجه (ص ٣٠).
(٤) المسند (٤/ ١١).
(٥) ضبطه ابن حجر في التقريب: عُدُس، بضمتين، وقال: وقد يفتح ثانيه، ويقال: [حُدُس] بالحاء بدل العين، وقال الترمذي: هكذا يقول حماد بن سلمة: وكيع بن حُدُس، ويقول شعبة وأبو عوانة وهُشيم: وكيع بن عُدُس، وهو أصح.
(٦) العماء: السحاب، وقيل: الضباب. قال أبو عبيد: لا يُدرى كيف كان ذلك العماء. النهاية لابن الأثير (٣/ ٣٠٤).
(٧) مسند أحمد (٤/ ١١) رقم (١٦١٣٢) وإسناده ضعيف، لجهالة وكيع بن عدس.
(٨) الجامع (٣١٠٩) في التفسير.
(٩) سنن ابن ماجه (١٨٢) في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية.
(١٠) زاد في نسخة ب هنا: وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب "صفة العرش": حدَّثنا عبد اللَّه بن مروان بن معاوية، سمعت الأصمعي يقول -وذكر هذا الحديث فقال-: العماء في كلام العرب: السحاب الأبيض الممدود، وأما العمى، المقصور، فهو البصر.
ويبدو أنَّ ناسخ (ب) وقف على كتاب "صفة العرش" ثمَّ أدرج منه ما يؤيد الأخبار والأحاديث التي يذكرها ابن كثير وهذا ما سنلاحظه في كثير من الزيادات التي تفردت بها نسخة (ب) في هذا الموضوع.