للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لك. قال: فبعثت جَلاوِزَتَها إلى يحيى، وهو في محرابه يصلّي، وأنا إلى جانبه أصلي، قال: فذُبح في طستٍ وحُمل رأسه ودمُه إليها. قال: فقال رسول اللّه : "فما بلغ من صَبْرِكَ؟ قال: ما انفتلت من صلاتي". قال: فلما حُمل رأسه إليها فوضع بين يديها، فلما أمسوا خَسف الله بالملك وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: قد غضب إلَه زَكرِيا لزكرِيا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا، قال: فخرجوا في طلبي ليقتلوني، وجاءني النذير، فهربت منهم، وإبليس أمامهم يدلهم عليَّ، فلما أن تخوّفت أن لا أُعْجِزَهم عرضَتْ لي شجرةٌ، فنادتني وقالت: إليَّ إليَّ، وانصدعت لي، ودخلت فيها. قال: وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي، والتأمتِ الشجرةُ، وبقي طرف ردائي خارجًا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل، فقال إبليس: أما رأيتموه دخل هذه الشجرة؟ هذا طرف ردائه، دخلها بسحره، فقالوا: نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس: شُقّوهُ بالمنشار شقًا. قال: فَشُقِقْتُ مع الشجرة بالمنشار. قال له النبي : "هل وَجَدْتَ لَهُ مسًّا أو وجعًا" قال: لا، إنما وجدَتْ ذلكَ الشجرةُ التي جعل اللّه روحي فيها (١).

هذا سياق غريب جدًا، وحديث عَجيبٌ، ورفْعُهُ منكرٌ، وفيه ما ينكر على كلّ حال، ولم يُرَ في شيء من أحاديث الإسراء ذِكْرُ زكريا إلا في هذا الحديث، وإنّما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء (٢): "فمررت بابني الخالة يَحْيَى وعِيسى"، وهما ابنا الخالة على قول الجمهور كما هو ظاهر الحديث، فإن أم يحيى أَشْياعَ بنتَ عمران أختُ مريم بنت عمران. وقيل: بل أشياع وهي امرأة زكريا أم يحيى هي أخت حَنَّةَ امرأة عمران أم مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم. فاللّه أعلم.

ثمّ اختُلف في مقتل يحيى بن زكريا: هل كان بالمسجد الأقصى، أم بغيره على قولين، فقال الثوري عن الأعمش، عن شمر بن عطية قال: قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعونَ نبيًا منهم يحيى بن زكريا .

وقال أبو عبيد القاسم بن سلّام: حَدَّثَنَا عبد اللّه بن صالح، عن الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: قدم بخت نصَّر دمشق، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي، فسأل عنه، فأخبروه. فقتلَ على دمه سبعين ألفًا، فسَكَن (٣).

وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب، وهو يقتضي أنه قُتل بدمشق وأنَّ قصة بخت نصَّر كانت بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري. فاللّه أعلم.


(١) في مختصر ابن منظور (١/ ٥١): وعن وهب أن الذي انصدعت له الشجرة ودخل فيها كان أشعياء قبل عيسى وأن زكريا مات موتًا.
(٢) حديث الإسراء بطوله ورواياته في جامع الأصول (١١/ ٣٠٥)، وتخريجه ثمة.
(٣) تفصيل الخبر في تاريخ الطبري (١/ ٥٩١).