للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المغيرة بن شُعبة جندًا عليهم مَعْقِل بن قيس في ثلاثة آلاف، فسار إليهم، وقدَّم بين يديه أبا الرُّوَاع في طليعة هي ثلاثمئة على عدة الخوارج، فلقيهم أبو الرُّوَاع بمكان يقال له المَذَار (١)، فاقتتلوا معهم، فهزمهم الخوارج، ثم كرُّوا عليهم فهزمتهم الخوارج [ولكنْ لم يُقتل أحد منهم] (٢)، فلزموا مكانهم في مقابلتهم (٣) ينتظرون قدوم أمير الجيش معقِل بن قيس عليهم، فما قدم عليهم إلا في آخر نهار بعد أن غربت الشمس، فنزل وصلَّى بأصحابه، ثم شرع في مدح أبي الرُّواع، فقال له أبو الرُّواع: أيها الأمير! إن لهم شدّاتٍ منكرة، فكن أنت رِدْءَ (٤) الناس، ومُرِ الفرسان فليقاتلوا بين يديك. فقال له معقِل بن قيس: نِعمَ ما رأيت. فما كان إلّا ريثما قال له ذلك حتّى حمل الخوارج على معقِل وأصحابه، فانجفَلْ (٥) عنه عامة أصحابه، فترجَّل عند ذلك معقِل بن قيس وقال: يا معشر المسلمين الأرضَ الأرضَ، فترجَّل معه جماعة من الفرسان والشجعان قريب من مئتي فارس منهم أبو الرُّواع الشاكِري، فحمل عليهم المستورِد بن عُلَّفَة [أمير الخوارج] (٦) بأصحابه، فاستقبلوهم بالرماح والسُّيوف، ولحق بقيَّة الجيش بعض الفرسان فذمَّرهم وعيَّرهم وأنَّبهم على الفرار، فرجع الناس إلى معقِل وهو يقاتل الخوارج بمن معه من الأنصار (٧) قتالًا شديدًا والناس يتراجعون في أثناء الليل، فصفَّهم معقل بن قيس ميمنةً وميسرةً ورتَّبهم وقال: لا تبرحوا على مصافكم حتى نصبح فنحمل عليهم، فما أصبحوا حتى هربت الخوارج، فرجعوا من حيث أَتَوا، فسار معقِل في طلبهم وقدَّم بين يديه أبا الرّواع في ست مئة، فالتقوهم عند طلوع الشمس، فثار إليهم الخوارج، فتبارزوا ساعةً، ثم حملوا حملة رجل واحد، فصبر لهم أبو الرّواع بمن معه، وجعل يذمِّرهم ويعيِّرهم ويؤنِّبهم على الفرار ويحثُّهم على الصبر، فصبروا وصدقوا في الثبات حتى ردوا الخوارج إلى أماكنهم. فلما رأتِ الخوارج ذلك خافوا من هجوم معقل عليهم فما يكون دون قتلهم شيء، فهربوا بين أيديهم حتى قطعوا دجلة ووقعوا في أرض بَهُرَسِير (٨)، واتبعهم أبو الرّواع ولحقه معقِل بن قيس، ووصلت الخوارج إلى المدينة العتيقة، فركب إليهم شريك بن عبيد - نائب المدائن - ولحقهم أبو الرّواع بمن معه من المقدّمة.


(١) "المذار": موضع بين واسط والبصرة. معجم البلدان (٥/ ٨٨).
(٢) ما بين حاصرتين من ط و ب.
(٣) في ط: مقاتلتهم.
(٤) "الردء": العون والنصير.
(٥) "انجفل القوم": هربوا مسرعين.
(٦) من آ فقط.
(٧) في ب: الأبطال. وقوله من الأنصار ليس في أ.
(٨) كذا قيدها ياقوت في معجمه (١/ ٥١٥) وقال: من نواحي سواد بغداد قرب المدائن، وهي معربة من به أردشير أو به أردشير، ومعناه: خير مدينة أردشير. وهي غربي دجلة. وقد تحرفت في أ و ب إلى: نهر سير، وفي ط إلى: نهزشير.