للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنفسه، فطُعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها، ثم يقلب (١) ظهر كفه، ثم يقول: ما أحبُّ أنَّ لي بما (فيك) شيئًا من الدنيا. فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام فيهم خطيبًا فقال أيها الناس، إن هذا الوجعَ إذا وقعَ فإنّما يشتعلُ اشتعالَ النار، فتحصَّنوا (٢) منه في الجبال. فقال أبو واثلة (٣) الهُذَليّ: (كذبت) والله لقد صحبتُ رسولَ الله وأنت شرٌّ من حماري هذا. فقال: والله ما أردّ عليك ما تقول، وأيم الله لا نقيم عليه. قال: ثم خرج وخرج الناسُ فتفرقوا ودفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص فوالله ما كرهه.

قال ابن إسحاق: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان، أمَّر معاوية على جند دمشق وخراجها، وأمّر شُرحْبيل بن حَسَنة على جندِ الأردن وخراجها.

(وقال سيف بن عمر عن شيوخه قالوا: لما كان طاعون عَمَواس وقع مرتين لم ير مثلهما وطال مكثه، وفني خلق كثيرٌ من الناس، حتى طمع العدوّ وتخوفتْ قلوبُ المسلمين لذلك.

قلتُ: ولهذا قدم عمر بعد ذلك إلى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا لمَّا أشكل أمرها على الأمراء. وطابت قلوب الناس بقدومه، وانقمعت الأعداء من كل جانب لمجيئه إلى الشام ولله الحمد والمنة.

((٤) وقال سيف - بعد ذكره قدوم عمر بعد طاعون عمواس في آخر سنة سبع عشرة - قال: فلما أراد القُفول إلى المدينة في ذي الحجة منها خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا إني قد ولَّيْتُ عليكم وقضيتُ الذي عليَّ في الذي ولَّاني اللهُ من أمركم إن شاء الله، فبسطنا (٥) بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغناكم ما لدينا، فجنَّدنا لكم الجنود، وهيَّأنا لكم الفُروج (٦) وبوأنا لكم، ووسعنا عليكم ما بلغَ فَيْؤُكُمْ وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم أطعماتكم، وأمرنا لكم بأعطياتكم وأرزاقكم ومغانمكم. فمن علم شيئًا ينبغي العمل به فليعلمنا نعمل به إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.

قال وحضرت الصلاة فقال الناس: لو أمرتَ بلالًا فأذَّن؟ فأمره فأذَّنَ فلم يبقَ أحدٌ كان أدرك رسولَ الله وبلال يؤذن إلَّا بكى (٧) حتى بلَّ لحيتَه، وعمرُ أشدُّهم بكاءً، وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره .


(١) في تاريخ الطبري (٤/ ٦٢): يقبِّل.
(٢) في تاريخ الطبري: فتجبَّلوا، وفي هامشه: تجبل القوم أي دخلوا في الجبل.
(٣) في أ، ط: أبو وائل؛ خطأ، والمثبت من تاريخ الطبري (٤/ ٦٢) والإصابة (٤/ ٢١٥) وأبو واثلة الهذلي: صحابي شهد فتوح الشام وخبره هذا، أخرجه أحمد في مسنده (١/ ١٩٦) وابن عساكر في تاريخ دمشق المختصر (٢٩/ ١٧٤).
(٤) سيرد ما بين القوسين في أقبل فقرة (كائنة غريبة).
(٥) في تاريخ الطبري: قسطنا.
(٦) في أ: فيأكم وبوأنا، وفي ط: العروج؛ وهو تحريف. والفروج: هي الثغور. النهاية (٣/ ٤٢٣).
(٧) في أ: إلَّا وبكى.