للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَجِبْتُ للجِنِّ وإبْلاسِها … وشدِّها العِيسَ بأحْلاسِها

تَهْوي إلى مكة تبغي الهُدَى … ما مؤمنو (١) الجِنِّ كأنجاسِها

وقال الحافظ أبو يَعْلى المَوْصلي (٢): حدّثنا يحيى بن حُجْر بن النعمان السَّامي (٣)، حدّثنا علي بن منصور الأبناوي (٤)، عن عثمان (٥) بن عبد الرحمن الوقَّاصي، عن محمد بن كعب القُرَظي. قال: بينما عمر بن الخطاب ذات يوم جالس، إذ مرَّ به رجل، فقيل: يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المارّ؟ قال: ومن هذا؟ قالوا: هذا سَوَاد بن قارب الذي أتاه رَئيُّهُ بظهورِ رسولِ الله ، قال: فأرسل إليه عمر، فقال له: أنت سَواد بن قارِب؟ قال: نعم. قال: فأنت على ما كنتَ عليه من كهانتك؟ قال: فغضب، وقال: ما استقبلني بهذا أحدٌ منذُ أسلمتُ يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: يا سبحان الله! ما كنا عليه من الشرك أعظمُ مما كنتَ عليه من كهانتك! فأخبرني ما أنبأك رَئيُّكَ بظهور رسولِ الله ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلةٍ بين النائم واليقظان إذْ أتاني رَئَيِّي فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب، واسمعْ مقالتي، واعقِلْ إنْ كنتَ تعقِل، إنه قد بُعث رسولٌ من لُؤَيِّ بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته. ثم أنشأ يقول: [من السريع]

عجبتُ للجِنِّ وتَطْلابها … وَشدِّها العيسَ بأقْتَابها (٦)

تهوي إلى مكّةَ تبغي الهُدى … ما صادقُ الجِنِّ ككذَّابها

فارْحَلْ إلى الصِّفْوةِ مِن هاشمٍ … ليسَ قُدَامَاها كأذنابها (٧)

قال: قلت: دعني أنام فإني أمسيتُ ناعسًا. قال: فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله


(١) في ح: مومني.
(٢) الخبر في مسند أبي يعلى (١/ ٢٦٣) وهو في دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٥٢، ٢٥٣)، وأخرجه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح (٢/ ٦٧) عن عبد الباقي بن قانع عن محمد بن زكريا الغلابي عن بشر بن حجر عن علي بن منصور به.
(٣) في ح، ط: الشامي، بالشين المعجمة، وهو تصحيف، والمثبت من الإكمال (٤/ ٥٥٧) والأنساب (٧/ ١٦) ودلائل البيهقي.
(٤) في ط والمطبوع من دلائل البيهقي: "الأنباري" وهو تحريف، فقد قيده الحافظ معين الدين بن نقطة الحنبلي في إكمال الإكمال في باب "الأنباري والأبياري والأبناوي الأبناري"، فقال: "وأما الأبناوي بعد الباء المعجمة بواحدة نون وبعد الألف واو فهو: … وعلي بن منصور الأبناوي، حدث عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي بقصة سواد بن قارب، روى عنه بشر (هكذا وقع عنده، وصوابه: يحيى) بن حجر بن النعمان السامي" (١/ ١٦٧)، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في التبصير (١/ ٣٦)، وكذلك ذكره المزي في ترجمة عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي من التهذيب (١٩/ ٤٢٦).
(٥) في ط: محمد بن عبد الرحمن الوقاصي وفي ح: محمد بن عثمان الوقاصي، وفي الحاشية: وجميعه تصحيف، والمثبت من اللباب (٣/ ٣٧٠) وتهذيب المزي (١٩/ ٤٢٥) وتهذيب التهذيب (٧/ ١٣٣) ودلائل البيهقي.
(٦) "الأقتاب": جمع قَتَب، وهو الرحْل الصغير على قدر سنام البعير. المعجم الوسيط (قتب).
(٧) الصفوة، مثلثة الصاد، والكسر أفصح اللغات فيه، صفوة الشيء: خياره وأخلصه. الجليس (٢/ ٧٠).