للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَوْهم (١) غُدَيَّة، واشربوا الخمر عشيَّة. قال: فلقيناهم. فهزمونا وغلبونا، فرجعنا إليه فقلنا: ما حالك؟ وما الذي صنعتَ بنا؟ فنظرنا إليه وقد احمرَّت عيناه وانتصبتْ (٢) أذناه وانبرم غضبانًا (٣) حتى كاد أن ينفطر، وقام؛ فركبنا واغتفرنا هذه له، ومكثنا بعد ذلك حينًا، ثم دعانا فقال: هل لكم في غزوةٍ تهب لكم عِزًّا، وتجعل لكم حِرْزًا، ويكون في أيديكم كنزًا؟ فقلنا: ما أحوجنا إلى ذلك! فقال: اركبوا فركبنا فقلنا: ما تقول؟ فقال: بنو الحارث بن مسلمة، ثم قال: [قفوِا. فوقفنا، ثم قال] (٤): عليكم بفَهْم. ثم قال: ليس لكم فيهم دم، عليكم بمُضَر، هم أربابُ خيلٍ ونعَم. ثمّ قال: لا، رَهْطُ دُريد بن الصِّمَّة، قليلُ العدد، وفيُّ الذِّمَّة. ثمّ قال: لا، ولكن عليكم بكعب بن ربيعة، واسكنوها ضيعة (٥) عامر بن صعصعة، فليكن بهم الوقيعة قال: فلَقيناهم، فهزمونا وفضحونا (٦)، فرجعنا وقلنا: ويلك! ماذا تصنع بنا؟ قال: ما أدري، كذَّبني الذي كان يصدُقني؛ اسجنوني في بيتي ثلاثًا، ثمّ ائتوني. ففعلنا به ذلك، ثمّ أتيناه بعد ثالثة ففتحنا عنه، فإذا هو كأنه جمرة (٧) نار، فقال: يا معشر دَوْس، حُرستِ السماء، وخرج خير الأنبياء. قلنا: أين؟ قال: بمكة وأنا ميِّت، فادفنوني في رأس جبل، فإني سوف أضطرمُ نارًا، وإنْ تركتموني كنتُ عليكم عارًا، فإذا رأيتمُ اضطرامي وتلهُّبي، فاقذفوني بثلاثةٍ أحجار، ثمّ قولوا مع كل حجر: باسمك اللهمّ. فإني أَهْدَى وأطْفَى (٨). قال: وإنَّه مات، فاشتعل نارًا، ففعلنا به ما أمر، وقذفناه بثلاثةٍ أحجار، نقول مع كلِّ حجر: باسمك اللهم. فخمد وطَفِئ، وأقمنا حتى قدم علينا الحاج، فأخبرونا بمبعثك يا رسول اللّه. غريب جدًا.

وروى الواقدي (٩) عن ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جُنْدُب، عن النَّضْر بن سفيان الهُذَلي، عن أبيه، قال: خرجنا في عيرٍ لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزَّرْقاء ومَعَان (١٠) قد عرَّسْنا من


(١) في ط: انفوهم والمثبت من ح والهواتف وابن عساكر.
(٢) في الهواتف: وابيضَّت.
(٣) في الهواتف: وانزمَّ غضبًا. وغضبانًا. كذا بالتنوين على لغة بني أسد في تأنيثه على غضبانة. ومن ثم صُرف. التاج (غضب).
(٤) ليس ما بين المعقوفين في ح.
(٥) كذا في ح، ط وفي الهواتف وابن عساكر: واشكروها صنيعة. وهو أشبه.
(٦) في هامش ح: خـ وقصمونا.
(٧) في ط: حجرة. والمثبت من ح والهواتف وابن عساكر.
(٨) يعني: أْهدأ وأطفأ، وهي رواية الهواتف وابن عساكر.
(٩) رواه ابن سعد عن الواقدي في الطبقات (١/ ١٦١) وذكره السيوطي في الخصائص (١/ ١٠٤) وقال أخرجه ابن سعد وأبو نعيم [ستأتي الإشارة إليه] وابن عساكر.
(١٠) "الزرقاء": موضع بالشام بناحية مَعان. معجم البلدان (٣/ ١٣٧) وتقع إلى الشمال الشرقي من عمَّان. ومَعَان: بالفتح، والمحدثون يقولونه بالضم: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء [عمَّان]. معجم البلدان (٥/ ١٥٣) وتقع إلى الشمال الشرقي من العقبة.