للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فشمَّرْتُ عن ساقي إزارًا مُهاجِرًا … إليكَ أدِبُّ الغَوْرَ بعدَ الدَّكَادِكِ (١)

لأصحبَ خيرَ الناسَ نفسًا ووالدًا … رسولَ مليكِ الناسِ فوقَ الحَبَائك (٢)

فقال النَّبِيُّ : "مرحبًا بك يا عَمْرَو بن مُرّة" (٣). فقلت: يا رسولَ الله، بأبي أنت وأمي ابعثْ بي إلى (٤) قومي لعلَّ اللّهَ أنْ يَمُنَّ بي عليهم كما مَنَّ بكَ علىّ. فبعثني إليهم وقال: "عليك بالقولِ السَّدِيد، ولا تكنَّ فَظًّا ولا متكبِّرًا ولا حَسُودًا "فأتيتُ قومي فقلت لهم: يا بني رِفاعة، ثم يا بني جُهَينة، إني رسولٌ من رسولِ اللَّه إليكم، أدعوكم إلى الجنَّة، وأُحَذِّركمُ النَّار، وآمرُكُمْ بحَقْنِ الدَّمَاء، وصلةِ الأرحام، وعبادةِ اللَّه، ورفض الأصنام، وحجِّ البيت، وصيام شهر رمضان، شهرٌ من اثنيْ عشرَ شهرًا؛ فمن أجابَ فله الجنَّة، ومن عَصَى فله النار؛ يا معشرَ جُهينة، إِنَّ اللَّه - وله الحمد - جعلكم خيارَ مَنْ أنتم منه، وبغَضَ إليكم في جاهليَّتِكم ما حُبِّبَ إلى غيركم من الرَّفث - لأنهم كانوا يجمعونَ بين الأُخْتَين، ويَخْلُفُ الرجلُ على امرأةِ أبيه - والتِّراتِ (٥) في الشهر الحرام؛ فأجيبوا هذا النَّبِيَّ المرسل من بني لُؤَيِّ بن غالب، تنالوا شرفَ الدنيا وكرامةَ الآخرة، سارعوا وسارعوا في ذلك، تكنْ في ذلك لكم فضيلةٌ عند اللَّه. فأجابوا إلا رجلًا منهم قام فقال: يا عمرَو بن مُرَّة، أمَرَّ اللّهُ عليك عَيْشَك! أتأمرُنا أنْ نرفُضَ آلهتنا، ونُفَرِّقَ جماعتنا بمخالفةِ دينِ آبائنا إلى ما يدعُو هذا القرشيُّ من أهل تهامة؟ لا، ولا مَرْحبًا ولا كرامة، ثم أنشأ يقول: [من الكامل]

إنَّ ابنَ مُرَّة قد أتى بمقالةٍ … ليستْ مقالةَ من يُريدُ صَلاحا

إني لأحسِبُ قولَهُ وفعالَهُ … يومًا وإنْ طالَ الزمانُ رياحا

أتسفِّهُ الأشياخَ ممَّنْ قدْ مَضَى … مَن رامَ ذلكَ لا أصابَ فَلاحا

فقال عمرو بن مرة: الكاذب مني ومنك أمَرَّ اللَّه عيشه، وأبْكَمَ لسانه، وأكْمَهَ بصرَه. قال عمرو بن مُرَّة: واللّهِ ما مات حتَّى سقط فُوه، وكان لا يجدُ طعمَ الطعام، وعمِيَ وخرِس.

وخرج عمرو بن مُرَّة ومَنْ أسلمَ من قومه حتَّى أتَوا النبي ، فرحَّبَ بهم وحيَّاهم (٦)، وكتب لهم كتابًا هذة (٧) نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من اللّهِ على لسانِ رسولِ اللهِ، بكتابٍ


(١) مضى التعليق على ذلك في ص (١٢٨) ح (٢).
(٢) مضى التعليق على ذلك في ص (١٢٨) ح (٣).
(٣) سقط: بن مرة من ح.
(٤) في ح: على.
(٥) يعني: وبغض إليكم الترات، وهي جمع تِرَة، وهي الذَّحْل، من قولهم: وترْتَهُ؛ أي أدركته بمكروه، والموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. اللسان (وتر).
(٦) في ط: وحباهم.
(٧) في ح: هذا.