للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلف العلماءُ في تعبُّده قبل البعثة، هل كان على شرعِ أم لا؟ وما ذلك الشرع؟ فقيل شرع (١) نوح، وقيل شرع (١) إبراهيم. وهو الأشبه الأقوى، وقيل موسى، وقيل عيسى، وقيل: كلُّ ما ثبت أنه شرعٌ عنده اتَّبعه وعمل به، ولبسطِ هذه الأقوال ومناسباتها مواضع أُخر في أصول الفقه والله أعلم.

وقوله: حتَّى فجِئَهُ الحقُّ وهو بغارِ حِرَاء (٢)؛ أي جاء بغتةً على غير موعد كما قال ثعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ﴾ [القصص: ٨٦].

وقد كان نزولُ صَدْر هذه السورة الكريمة وهي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق:١ - ٥]. وهي أولُ ما نزل من القرآن كما قرَّرْنا ذلك في "التفسير" (٣)، وكما سيأتي أيضًا في يوم الاثنين كما ثبتَ في صحيح مسلم (٤) عن أبي قتادة، أنَّ رسولَ الله سُئل عن صوم يومِ الاثنين؟ فقال: "ذاك يومٌ وُلدتُ فيه، ويومٌ أُنْزِلَ عليَّ فيه".

وقال ابن عباس (٥): وُلد نبيُّكم محمدٌ يومَ الاثنين، ونُبِّئَ يومَ الاثنين.

وهَكذا قال عُبيد بن عُمير، وأبو جعفر الباقر، وغيرُ واحدٍ من العلماء: إنه أوحي إليه يوم الاثنين. وهذا ما لا خلافَ فيه بينهم.

ثم قيل: كان ذلك في شهر ربيع الأول كما تقدَّم عن ابن عباس وجابر أنَّه وُلد ، في الثاني عشرَ من ربيعِ الأول يوم الاثنين، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء: والمشهور أنه بُعث في شهر رمضان، كما نص على ذلك عُبيد بن عُمير، ومحمد بن إسحاق وغيرهما.

قال ابن إسحاق مستدلًا على ذلك (٦) بما قال اللَّه تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٥] فقيل في ثاني عشرة.

وروى الواقديُّ بسند (٧) عن أبي جعفر الباقر أنه قال: كان ابتداءُ الوحي إلى رسول اللَّه يومَ الاثنين، لسبعَ عشرةَ ليلة خلَتْ من رمضان.

وقيل: في الرابع والعشرين منه.


(١) سقطت اللفظة من ح.
(٢) يعني في حديث البخاري المتقدم (ص ١٨٨) ح (١).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٢٧) تفسير سورة اقرأ.
(٤) تقدم الحديث في (ص ٣٠) في موضع الحاشية (٤) من هذا الجزء.
(٥) حديث ابن عباس وتخريجه في ص (٣٠ ح ٥) من هذا الجزء، وسيأتي في ص (٤٤٠).
(٦) سيرة ابن هشام (١/ ٢٣٩) والروض (١/ ٢٧٥).
(٧) طبقات ابن سعد (١/ ١٩٤).