للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقول: لعلك لبعض ما كنتَ ترى وتسمع قبلَ اليوم! فقال: "يا خديجة، أرأيت الذي كنتُ أرى في المنام، والصوتَ الذي كنتُ أسمع في اليَقَظة وأُهالُ منه، فإنَّهُ جبريلُ قد استعلن لي، وكلَّمني وأقرأني كلامًا فزِعْتُ منه، ثم عاد إليّ، فأخبرني أنِّي نبيُّ هذه الأمة، فأقبلتُ راجعًا فأقبلتُ على شجرٍ وحجارة، فقلْنَ: السلامُ عليكَ يا رسول اللَّه" فقالتْ خديجة: أبشرْ، فواللّهِ لقد كنتُ أعلم أنَّ اللَّه لنْ يفعلَ بك إلا خيرًا، وأشهدُ أنَّك نبيُّ هذه الأمةِ الذي تنتظرُهُ اليهود، قد أخبرني به ناصحٌ، غُلامي وبَحِيرَى الراهب (١)، وأمرني أن أتزوَّجَك منذُ أكثرَ من عشرين سنة.

فلم تزَلْ برسولِ اللَّه حتَّى طعِمَ وشرب وضحِك، ثم خرجتْ إلى الراهب وكان قريبًا من مكة، فلما دنتْ منه وعرفها قال: ما لكِ يا سيدةَ نساءَ قريش؟ فقالت: أقبلتُ إليك لتخبرَني عن جبريل، فقال: سبحان اللّهِ ربَّنَا القدُّوس! ما بالُ جبريلَ يُذكَرُ في هذه البلادِ التي يَعبُدُ أهلُها الأوثان؟ جبريلُ أمينُ اللّهِ، ورسُولُه إلى أنبيائه ورسُلِه، وهو صاحبُ موسى وعيسى. فعرفتْ كرامةَ اللّهِ لمحمد، ثم أتتْ عبدًا لِعُتْبَةَ بنِ ربيعةَ يقالُ له: عدَّاس، فسألَتْهُ، فأخبرها بمثلِ ما أخبرها به الراهب وأزيد، قال: جبريلُ كان مع موسى حين أَغْرَق اللهُ فِرْعَوْنَ وقومه، وكان معه حين كلَّمه اللَّه على الطُّور، وهو صاحبُ عيسى بن مريمَ الذي أيَّدَهُ الله به.

ثم قامتْ من عنده فأتت ورقَةَ بنَ نوفل، فسألتْهُ عن جبريل، فقال لها مثلَ ذلك، ثم سألها: ما الخبر؟ فأحلفتهُ أنْ يكتُم ما تقولُ له، فحلف لها، فقالت له: إنَّ ابنَ عبد اللَّه ذكر لي - وهو صادق، أحلفُ باللّه ما كذَبَ ولا كُذِّبَ - أنه نزل عليه جبريلُ بحراء وأنه أخبره أنه نبيُّ هذه الأمة، وأقرأه آياتٍ أُرسل بها. قال: فَذُعِرَ ورقَةُ لذلك وقال: لئنْ كان جبريلُ قد استقرَّتْ قدماهُ على الأرض، لقد نزل على خيرِ أهل الأرض، وما نزل إلا على نبيّ، وهو صاحبُ الأنبياء والرسل، يُرْسله الله إليهم، وقد صدَّقْتُكِ عنه، فأرسلي إليَّ ابنَ عبد اللَّه أسأله وأسمعُ من قوله وأحدِّثُه، فإني أخافُ أنْ يكونَ غيرَ جبريل، فإنَّ بعضَ الشياطينِ يتشَبَّهُ به لِيُضِلَّ به بعضَ بني آدم ويفسِدَهم، حتَّى يصيرَ الرجلُ بعدَ العقلِ الرضيّ، مُدَلَّهًا مجنونًا.

فقامت من عنده وهي واثقةٌ بالله أنْ لا يفعلَ بصاحبها إلَّا خيرًا، فرجعت إلى رسول الله فأخْبرتْهُ بما قال ورقَة، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ (٢) الآيات. فقال لها: "كلا والله، إنَّه لجبريل" فقالت له: أُحِبُّ أن تأتيَهُ فتخبرَه، لعل اللَّه أنْ يَهْدِيَه. فجاءَهُ رسولُ الله فقال له ورقة: هذا الذي جاءك، جاءك في نورٍ أو ظُلْمة؟ فأخبره رسولُ اللّهِ عن صفةِ جبريل وما رآه من عظمتِه وهيئتة (٣)، وما أوحاهُ إليه. فقال ورقة: أشهدُ أنَّ هذا جبريل، وأنَّ هذا كلامُ اللَّه، فقد أمرك


(١) أين لقيت سيدتنا خديجة بحيرى الراهب حتَّى يخبرها؟ (بشار).
(٢) القلم الآيتان (١ و ٢) وسقط لفظ (ن) من ح.
(٣) سقطت اللفظة من ط.