للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قال رسولُ الله : "عرَفْتُ أنِّي إنْ بادَيْتُ (١) بها قومي رأيتُ منهم ما أكره فصمتُّ، فجاءني جبريلُ فقال: يا محمد، إنْ لم تفعل ما أمَرَكَ به رَبُّكَ عذَّبَكَ بالنار". قال [علي]: فدعاني فقال: "يا عليّ إن الله قد أمرني أن أُنذِرَ عشيرتي الأقربين [فعرفتُ أني إنْ باديتهم بذلك رأيتُ منهم ما أكره، فصمتُّ من ذلك، ثم جاءني جبريل فقال: يا محمد، إن لم تفعل ما أُمرت به عذبك ربُّك]، فاصْنَعْ لنا يا علي [رِجل] شاة على صاعٍ من طعام، وأعِدَّ لنا عُسَّ لبنٍ (٢)، ثم اجمعْ لي بني عبد المطلب". ففعلت فاجتمعوا له يومئذٍ وهم أربعون رجلًا يزيدون رجلًا أو ينقصون، فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث، فقدَّمتُ إليهم تلك الجَفْنَة فأخذ رسولُ الله منها حِذْيَةً (٣) فشقَّها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: "كلُوا بسم الله". فأكل القوم حتى نَهِلُوا عنه، ما نرَى إلا آثارَ أصابعِهم، والله إنْ كان الرجلُ ليأكلُ مثلَها. ثم قال رسولُ الله : "اسْقِهِمْ يا عليّ" (٤). فجئتُ بذلك القَعْب، فشربوا منه حتى نَهِلُوا جميعًا، وايْمُ الله إنْ كان الرجل منهم ليشربُ مثله، فلما أراد رسول الله أن يكلمهم، بدَرَهُ أبو لهب -لعنه الله- إلى الكلام فقال: لهدَّ ما سحركم صاحبكم؟ فتفرَّقُوا ولم يكلِّمْهُمْ رسولُ الله . فلمَّا كان من الغد قال رسول الله : "يا عليُّ عُدْ لنا بمثل الذي كنتَ صنعتَ لنا بالأمسِ من الطعام والشراب، فإنَّ هذا الرجلَ قد بَدَرَني إلى ما سمعتَ قبلَ أنْ أكلِّمَ القوم" ففعلتُ، ثم جمعتُهم له. فصنع رسولُ الله كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نَهِلُوا عنه، ثم سقَيْتُهم من ذلك القَعْب حتى نهِلوا عنه، وايْمُ الله إنْ كان الرجلُ ليأكلُ مثلها ويشربُ مثلها. ثم قال رسول الله : "يا بني عبد المطَّلِب، إنِّي والله ما أعلمُ شابًّا من العرب جاء قومَهُ بأفضلَ ممَّا جئتكم به، إني قد جئتُكُم بأمْرِ الدُّنيا والآخرة".

هكذا رواه البيهقي من طريق يونس بن بُكَير، عن ابن إسحاق عن شيخ أبهم اسمَهُ، عن عبد الله بن الحارث به.

وقد رواه أبو جعفر بن جرير (٥)، عن محمد بن حُميد الرازي، عن سلمة بن الفضل الأبرش، عن محمد بن إسحاق عن عبد الغفار أبي مريم بن القاسم، عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي، فذكر مثله. وزاد بعد قوله: "وإني قد جئتُكم بخيرِ الدنيا والآخرة، وقد أمَرَني الله أنْ أدْعُوَكم إليه، فأيُّكم يؤازرُني على هذا الأمر على أنْ يكونَ أخي" وكذا وكذا. قال: فأحجم


(١) "باداه": بارزه، وكاشفتُ الرجل وباديته وجاليته بمعنى، ومنه الحديث أنه أمر أن يُبَادِي الناسَ بأمره؛ أي يظهره لهم. الأساس والنهاية (بدي).
(٢) "العس": القدح الكبير. المصباح (عسس).
(٣) "الحذية": القطعة من اللحم كالحِذْوة اللسان (حذا) واوية يائية.
(٤) في ح، ط تكرار بمقدار خمسة أسطر ونصف، لعلها سهو من الناسخ.
(٥) في تاريخه تاريخ الأمم والملوك (٢/ ٣١٩).